عات التي يمكن للإنسان تصميمها وتنفيذها؟ في السطور القادمة يسعى أندرس ساندبرغ للإجابة على هذا السؤال، عبر استعراض بعض أكثر الرؤى طموحا في التاريخ.
في عام 1603، وضع كاهن يسوعي، يُدعى كريستوف غرينبرغر، تصورا لآلة قال إن من شأنها “رفع كوكبنا بأسره”، باستخدام الحبال والتروس.
وفي تلك الأيام، كان غرينبرغر يتولى مراجعة الأبحاث التي يعدها المؤلفون اليسوعيون في مجال الرياضيات، في دور يشبه ما يقوم به الآن، المسؤولون عن تحرير الدوريات العلمية المتخصصة. وقد كان هذا الرجل لا يقوى على مقاومة الانخراط في حل المسائل الرياضية.
ومن هذا المنطلق، استنبط أن قدرة المرء على رفع أشياء تفوق وزنه أضعافا مضاعفة باستخدام الحبال والتروس، تعني أن بوسعه أن يرفع كوكبنا كله، ولو ببطء شديد، إذا استعان في ذلك بآلة مؤلفة من 24 ترسا أو عجلة عملاقة مرتبطة بطاحونة هوائية.
إعلان
وكأي أكاديمي معاصر؛ ينزع لتغليب النظرية على التطبيق، لم يعبأ غرينبرغر بالتفاصيل المزعجة، وكتب قائلا: “لن أنسج الحبال، أو أصف المواد التي سيتم تصنيع التروس أو العجلات منها، ولن أتطرق حتى للمكان الذي يُفترض أن تُعلق فيه هذه الآلة، نظرا لأن تلك المسائل ستُترك للآخرين لتحديدها”.
لكن طريقة تفكير هذا الرجل ليست مرتبطة بعصره وحده، فوجود مثل هؤلاء الأشخاص أصحاب التوجه المستقبلي في التفكير، بدأ مع نشأة علم الرياضيات ذاته. وطالما حاول المفكرون والباحثون استكشاف أقصى ما يمكن لهم تصميمه وتنفيذه من مشروعات، حتى لو كانت التقنيات المتوافرة لهم، لا تُمَكِنّهم من وضع ذلك موضع التطبيق.
وعلى مدار قرون طويلة، حَلِمَ هؤلاء باختراع آلات شتى؛ لإجراء تغييرات على تربة الأرض، أو حتى إعادة ترتيب الكون.
ويُعرف فرع علم الهندسة المعني بمشاريع طموحة وضخمة مثل هذه، بـ “الهندسة واسعة النطاق” أو “الهندسة العملاقة” أو “الكلية” كما يُطلق عليه في بعض الأحيان.
وتستهدف المشروعات المندرجة في هذا الإطار، إعادة تشكيل ملامح العالم، أو تصنيع أشياء قد يصل حجم كل منها إلى “عالم” مستقل بذاته.
لكن ما الذي يمكن لنا أن نستشفه من “أحلام الهندسة العملاقة هذه”، على صعيد إدراك مدى براعة الإنسان، واتساع نطاق مخيلته؟
قد يتعين علينا في البداية الإشارة إلى أن “الهندسة العملاقة” تلك، ربما تضرب بجذورها في زمن الإغريق القدماء. فمن بين أشهر ما يُعرف به عالم الطبيعة والرياضيات والفيزياء أرخميدس مثلا، تباهيه بالقول “بمقدوري تحريك الأرض، إذا أعطيتني مكانا لأقف فيه”. حديث أرخميدس هنا، يتمحور حول الروافع بطبيعة الحال، إذ كان يعلم أن وجود محور ثابت، ورافعة طويلة للغاية، يجعل بإمكان المرء ممارسة “قوة هائلة” على أي شيء يريد رفعه.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الخطوة المنطقية التالية لاكتشاف أن قانونا فيزيائيا ما قابل للتعميم، تتمثل في التفكير في توسيع نطاق تطبيقه، واستكشاف ما سيترتب على ذلك من تبعات، على الصعيد العملي.
فالعالم الإنجليزي إسحاق نيوتن، أدرك مثلا أن قانون الجاذبية ينطبق على ثمرة فاكهة مثل التفاح، وجرم سماوي كالقمر، لذا أشار قبل وقت طويل من نجاح البشر في ارتياد الفضاء، إلى أن تصميم مدفع قوي، سيؤدي نظريا إلى تمكيننا من إطلاق مركبة فضائية إلى المدار المحيط بالأرض.
وقد تم التطرق إلى هذه الفكرة بالتفصيل في أدب الخيال العلمي، وتحديدا في رواية “من الأرض إلى القمر” التي أصدرها الروائي الفرنسي جول فيرن عام