◄هناك سؤال ربّما لا يخطر على بال كثير من الأفراد يتعلّق بعلم الاقتصاد، مفاده هل هناك أهميّة لهذا العلم «الاقتصاد» في تحسين حياة الفرد، وهل عليه الاطلاع على هذا العلم ولو بشكل غير مفصّل أو دقيق، وهل على الاقتصاديين «الخبراء والعاملين في المجال الاقتصادي» أن يتقنوا هذا العلم فقط؟ ولا حاجة للآخرين به؟. بالطبع ليس مطلوباً من الجميع أن يتقنوا علم الاقتصاد بشكل تفصيلي دقيق، هذه ليست مهمّتهم، ولكن في نفس الوقت لا يصح أن يكون الفرد جاهلاً بشكل تام بعلم الاقتصاد لأنّه ببساطة يساعده على أن يفهم ما يجري حوله في محيطه القريب وفي العالم أيضاً، ويساعده أيضاً لتنظيم حياته الاقتصادية ويفهم لماذا تحدث تقلبات الأسعار في السلع والمنتجات التي تديم حياته بشكل مباشر أو تلك التي لا يتعامل معها مباشرة ولكنّها تؤثِّر في حياته تقدّما أو تراجعاً. يقول مؤلف كتاب «دروس مبسطة في علم الاقتصاد» روبرت ميرفي: «إنّ علم الاقتصاد يتضمن المزيد من الأُمور التي توجهك في حياتك اليومية توجيها علمياً. صحيح أنّ الدراية بعلم الاقتصاد وحدها لن تجعلكَ ثرياً، لكنّني أُراهن أنّ تجاهل دروس هذا الكتاب سيبقيك فقيراً». هذا يعني أنّك من الممكن أن تفقد فرصاً كثيرة وربّما بعضها يكون كبيراً في تطوير حياتك الاقتصادية «التجارية أو سواها»، والسبب هو أنّك لم تعطِ ما يلزم من الاهتمام والوقت كي تطلّع على علم الاقتصاد ضمن الحدود التي تخدمك، لذلك من المحال على فرد ما أن يفهم كيف يسير العالم وما الذي يجري فيه ما لم يكون مُطّلعا ولو بحدود معيّنة على علم الاقتصاد، وهذا ما يؤكِّده روبرت ميرفي في قوله: «لن تتمكن من فهم الطريقة التي يسير بها العالم إلّا من خلال فكر اقتصادي سليم». ومن القضايا المهمّة التي تتطلّب مراعاتها والتنبّه لها، أنّ علم الاقتصاد يشكّل عصب العالم، والمجتمع، والفرد، في وقت واحد، وإذا أراد مسؤول كبير أو متوسط المسؤولية أو حتى فرد عادي، أن يتّخذ قراراً سياسياً مهمّاً، أو أمر يتعلّق بمجتمع ما، أو قرار يتعلّق بقضية فردية ذات طابع منزلي، فإنّ عليه أن يكون مطلّعاً على علم الاقتصاد كي تكون قراراته صائبة ومناسبة للخروج بنتائج منسجمة وصحيحة. الكاتب روبرت ميرفي يذكر في كتابه هذه القضية فيقول: «لكي تتّخذ قرارات مسؤولة فيما سيتعلّق بالمسائل السياسية الهامّة وفيما يتعلّق بوظيفتك وبالشؤون المالية المنزلية العادية، عليك أوّلاً أن تقرّر تعلُّم أساسيات علم الاقتصاد». ومثلما نجد أهميّة في حياتنا لدراسة الشعر والأدب بشكل عام لتحسين أنماط السلوك والرؤية الجمالية والفنيّة للفرد، وهناك نفس الأهميّة لعلوم الكيمياء والفيزياء والرياضيات وسواها من العلوم بسبب تدخلها في تفاصيل نشاطاتنا المختلفة وتسهيلها لنا الكثير من الفعاليات، فإنّ لعلم الاقتصاد تلك الأهميّة نفسها كونه يتعلّق بالموارد الطبيعية والإنتاجية والتصديرية، وبكلّ التعاملات التجارية التي تخص الفرد والدولة والمجتمع. يقول مورفي: «لقد أثبت علم الاقتصاد بأنّه جدير بأن يتعلّمه الجميع، والشخص واسع المعرفة ليس مَن يقتصر على دراسة الجبر، وفلسفة دانتي وأشعاره، والبناء الضوئي فحسب، بل من تكون لديه القدرة أيضاً على تفسير السبب وراء ارتفاع الأسعار. ويشتمل كلّ فرع من الفروع العلمية التي تدرسها على مزيج من المعارف المهمّة في حدِّ ذاتها، بالإضافة إلى تطبيقات عملية قد يتبيّن أنّها مفيدة في حياتك اليومية. فعلى سبيل المثال: ينبغي لكلّ طالب أن يلمّ بأساسيات علم الفلك، ليس فقط لأنّها تعبّر عن عظمة الكون، بل لأنّها قد تكون ضرورية في توجيه بحّار عنيد ابتعد عن اليابسة ولم يعد يعرف وجهته. والرياضيات مثال آخر، فدراسة حساب التفاضل والتكامل مجزية لأنّه علم رفيع – مع أنّ بعض الطلّاب قد يعتقدون أنّ تلك السمة قد لا تتناسب والجهد المبذول في دراسته! – ، غير أنّ كلّ فرد بحاجة إلى الإلمام بأساسيات الحساب ليتمكن من أداء مهامه في المجتمع». كذلك تكمن أهميّة علم الاقتصاد في صنع خبراء متفردين في هذا العلم، وتصاعد دورهم في نقل العالم إلى مراتب أعلى من التطوّر وتطويع الطبيعة، وتحسين حياة البشرية، لذلك كلّ عالم ينظر إلى العالم من الزاوية التي يتقنها هو ويجد فيها ميزة خاصّة وأهميّة قصوى لتطوير العالم وفقاً لرؤيته الاقتصادية أو الكيميائية أو الفيزيائية أو الاجتماعية، وكلٌّ بحسب تخصصه العلمي. إنّ علماء الاقتصاد ينظرون إلى العالم نظرة فريدة كما يقول روبرت مورفي، فمثلاً، عند تأمّل صورة الحشود التي تنتظر دورها في ركوب قطار الموت الشهري بمدينة الملاهي، سيلاحظ عالم الأحياء أنّ الأفراد يبدءون التعرّق كلّما اقترب دورهم في الركوب، وقد يلاحظ عالم الفيزياء أنّ المرتفع الأوّل في القطار يجب أن يكون الأكثر ارتفاعاً، وقد يلاحظ عالم الاجتماع أنّ الركاب مرتبون في مجموعات عرقية، وقد يلاحظ عالم الاقتصاد أنّ العربتين الأولى والأخيرة يصطف أمامهما طابوران أطول من الطوابير المصطفة أمام بقية العربات؛ ربّما لأنّ الأفراد لا يحبّون الانتظار، وربّما لأنّهم أيضاً يفضّلون الركوب في المقدّمة أو المؤخّرة. ولابدّ من الاعتراف أنّ علم الاقتصاد قد لا يمكن تطبيقه في بعض الحالات، وفي هذه الحالة لن تكون له جدوى، إلّا فيما يتوافق مع أفكاره ونظرياته العلمية خصوصاً ما يتعلّق ببعض الأُمور الحياتية التي تساعد الأفراد على تحقيق نتائج متميّزة يساعد عليها علم الاقتصاد، فمثلاً المنظور الاقتصادي ليس مفيداً في كلّ الحالات لأنّ دروس هذا الكتاب لن تفيد كثيراً في مباراة كرة قدم أو حفلة تخرج. أمّا في حياتك، فستواجه مواقف عديدة غاية في الأهميّة لابدّ لقراراتك فيها أن تكون مبنية على معرفة اقتصادية سليمة. ليس من الضروري أن يصبح الجميع علماء اقتصاد، لكن من المهم أن يتعلّموا كيف يفكّرون بعقلية اقتصادية. ولا يمكن حصر فوائد الاقتصاد العلمية بدراسة المال فقط، أو كيفية إجراء التعاملات المتعلّقة بالأموال والصيرفة وما شابه، بل على عكس هذا المفهوم المغلوط الشائع، فإنّ الاقتصاد أشمل من مجرّد دراسة المال فحسب. كما يؤكِّد مورفي إذ يمكن تعريف الاقتصاد في أوسع نطاقاته بأنّه دراسة عمليات التبادل التجارية. وهذا يشمل كلّ عمليات التبادل التي تحدث في محيط السوق العادي، حيث يقدّم البائع سلعة مادّية أو يعرض خدمة لقاء مبلغ مناسب يدفعه المشتري. لكنّ الاقتصاد يدرس أيضاً حالات «المقايضة»، حيث يتبادل التجّار فيما بينهم السلع أو الخدمات مباشرة من دون استخدام المال على الإطلاق. إنّ علم الاقتصاد يُعدّ من العلوم التي تدرس الحالات الفردية والجماعية، وتنطبق عليها، ومن الممكن الاستفادة منها فردياً وجماعياً، فعلم الاقتصاد يمكن أن يتناول بمزيد من التفصيل حالة شخص واحد منعزل يتّخذ إجراءات معيّنة تهدف إلى تحسين وضعه. عادةً ما يُطلق على ذلك «اقتصاد كروزو» نسبة للشخصية الروائية روبنسون كروزو الذي تحطّمت سفينته على ضفاف جزيرة بدت مهجورة، عندها سيتبيّن لنا أنّه حتى الشخص المنعزل يتصرّف على نحو «اقتصادي» لأنّه يأخذ ما تهبه الطبيعة إياه و«يستبدل» بالوضع الراهن بيئةً يأمل أن تكون أكثر مواءمة له.►