أجمع وزارء من الحكومة على أهمية إقرار اقتصاد رعاية حقيقي يثمن المؤهلات والاستثمارات ويعزز تمكين النساء داخل المجتمع المغربي، مشددين على أن نجاح هذا المشروع لا يمكن أن يتم دون تقوية الشراكة بين مختلف المتدخلين في هذا المجال، ومؤكدين على ضرورة مواجهة الصعوبة التي تواجه إقرار اقتصاد يضمن الرعاية للفئات الهشة داخل المجتمع، وذلك خلال المؤتمر الدولي حول اقتصاد الرعاية الذي ينعقد تحت شعار “اقتصاد الرعاية والحماية الاجتماعية: دعامة لتمكين النساء وخلق فرص الشغل وتحقيق الرفاه الأسرة” اليوم الثلاثاء، والذي سيستمر حتى يوم غد الأربعاء.
وقال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، يونس السكوري، إن “الموضوع الأول الذي لا يستقيم بغيابه الحديث عن الدولة الاجتماعية هو قضية الحماية الاجتماعية”، مشددا على أنه “بموجب هذه الحماية يمكن تأهيل شرائح واسعة من المواطنات والمواطنين من أجل الاستفادة من خدمات اجتماعية ذات تكلفة”، مشددا على أن “تأهيل الخدمات العمومية من صميم الدولة الاجتماعية”.
وعلى مستوى أهمية تمكين النساء بالولوج إلى سوق الشغل، يضيف السكوري “أننا لاحظنا من خلال الأرقام التي توصلنا بها من طرف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في ما يخص نوعية تشغيل النساء أن تشغيل النساء في القطاع المهيكل عرفت تقدما ملحوظا بوصولها إلى نسبة 33 في المئة”.
وتابع الوزير ذاته أنه “عندما ننظر إلى الأرقام التي تأخد بعين الاعتبار القطاع غير المهيكل نجد أن هذه النسبة تنخفض”، مسجلا أنه “من بين المحاور الأساسية التي يجب أن يركز عليها المؤتمر هي كيفية تقوية العمل اللائق المأجور لما يضمنه ذلك للنساء من العمل بشكل أفضل في احترام كبير لحقوقهن”.
وعن التحديات المطروحة أمام إنجاح مشروع اقتصاد الرعاية، أشار المسؤول الوزاري إلى “المؤهلات والاستثمارات والحيثيات التي يجب أن نستحضرها من أجل سياسة استباقية في اقتصاد الرعاية”، مواصلا أن “الصعوبة التي نواجهها اليوم هي طبيعة النماذج الاقتصادية التي يجب إرساؤها من أجل أن تكون هناك ديمومة اقتصادية في المقاولات”.
وشدد السكوري على أنه “لا يمكن الاستثمار في اقتصاد الرعاية من خلال التجهيزات والآليات دون أن تكون لدينا بالموازاة موارد بشرية تفي بالغرض”، مسجلا “أننا مطالبين على أن تكون لدينا سياسة للتكوين خاصة باقتصاد الرعاية”.
وواصل الوزير ذاته أن “الحكومة بصدد العمل على توجيه موارد وبرامج الدولة لاستهداف لفئات التي يجب أن تستفيد وفئة الباحثين عن شغل الذين لا يتوفرون على شهادات عالية”، مؤكدا في هذا الجانب على “دور الوساطة في التشغيل الذي تعمل فيه الحكومة على خلق برامج جديدة تحفيزية”.
وخلص السكوري إلى أنه “لا يمكن أنت ننجح في خلق اقتصاد رعاية حقيقي دون تقوية الشراكة بين مختلف المتدخلين في هذا المجال”، مفسرا ذلك بـ”الشراكة بين الدولة المركزية والدولة اللاممزكزة من جهات وعمالات وجماعات ترابية بحكم قربها من المواطن إضافة إلى الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في أفق خلق تمويلات جديدة دون أن ننسى الشراكة بمع الباحثين والأكاديميين”.
من جهته، اعتبر وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، أن “اقتصاد الرعاية يشكل بوابة مشرعة لتحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد”، مبرزا أنه “يسهم بشكل أكيد في تمتع الأفراد داخل محيطهم الأسري بظروف عيش صحية ويؤكد تعزيز فرص لتعلم ولوج سوق الشغل مسهمين جميعا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وتابع الوزير ذاته أن “التنمية الاقتصادية ذات ارتباط وثيق بصحة الأفراد والمجتمع ككل عبر مسارات أساسية على رأسها القطاع الصحي بوصفه مساهما أساسيا في الرفع من الناتج الداخلي الخام وفي التشغيل والإنتاجية”.
واستدعى وزير الصحة في هذا الصدد دراسة تؤكد “أن حالة الاكتئاب والقلق المرضي أدت إلى فقدان ما يقارب 15 مليار يوم عمل سنويا عبر العالم”، مشددا على أن “هذا المعطى كلف الاقتصاد العالمي 1150 مليار دولار أمريكي في السنة”.
وطالب المسؤول الوزاري بـ”النظر إلى المنظومة الصحية كمنتج لفرص الشغل ليس فقط في ما يتعلق بالعلاجات الطبية وشبه الطبية بل أيضا من خلال مجموعة من مهن الرعاية التي تتطلب تكوينا في ما يتعلق بالصحة”، مواصلا “أنها مهن أصبحت ضرورة ملحة كمساعد للحياة اليومية ومساعد للعلاج بالمنزل ومساعد للحياة المدرسية”.
وأورد أيت الطالب أن “مهن الرعاية على غرار المهن المشابهة لها أصبحت لا محيد عنها من أجل استكمال العلاج والكفل الطبي”، مسحضرا في الصدد ذاته دراسة لمنظمة الصحة العالمية تؤكد أن “حوالي 750 مليون شخص عبر العالم أغلبهم نساء يزاولون مهن الرعاية بشكل غير مهيكل ودون تلقي أي أجرة”.
وأكد المتحدث ذاته أن “القطاع الصحي معني أكثر من غيره من القطاعات الأخرى بالإسهام في تكوين هؤلاء المهنيين”، مشددا على أن “هذا ما يتطلب في حد ذاته إحداث الإطار القانوني اللازم لذلك واعتمادها كمهن قائمة بذاتها”.
وعن المؤتمر، أبرز الوزير ذاته أنه “يشكل مناسبة للتفكير جماعيا عبر الاستفادة من التجارب الناجحة من أجل إدماج هذه الفئة من النساء داخل الاقتصاد الوطني بشكل يضمن النجاح في التوفيق ما بين متطلبات الرعاية بالفئات الهشة داخل أسرنا وتحقيق سبل العيش لهذه الفئة من النساء ما سينعكس إيجابيا على النمو الإقتصادي لبلدنا”.
وعلى الصعيد ذاته، قالت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، إنه “لا بد من تظافر الجهود من أجل إيجاد حلول ومقترحات من شأنها أن تعزز السياسات العمومية التي تصب في نجاح اقتصاد الرعاية”، مشيرة إلى أن “هناك أمور تجعل اقتصاد الرعاية في قلب السياسات العمومية ومن أولويات اهتمامات المملكة وفي مقدمتها اختيار الدولة المغربية تسريع تنزيل مقتضيات الدولية الاجتماعية في المغرب”.
وتابعت الوزيرة ذاتها بالإشارة إلى “نجاح الحكومة في تحقيق تنزيل التعويضات العائلية واستهداف الأسر المعوزة بالدعم الاجتماعي المباشر وإقرار تغطية صحية إجبارية لأزيد من 22 مليون مواطن”، مؤكدةً “مساعدة السجلات الوطنية ومن أبرزها السجل الاجتماعي الموحد في إنجاح ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب”.
واستحضرت وزير المالية “أهمية استباق الدولة بتنزيل هذه الأوراش الاجتماعية بالنظر إلى التحدي الديموغرافي الذي يواجهه المغرب”، موردة “أننا نتوقع أن تتجاوز نسبة الشيخوخة بحلول سنة 2050 أكثر من 25 في المئة”.