التغيرات التكنولوجية التي أثرت في حياتنا إلى حد كبير والتي تعد إحدى أنواع النظريات العاملية التي تتضمّن أيضاً نظرية العامل الديموغرافي والإيكولوجي والاقتصادي والثقافي.

من المفيد في هذا المجال أن نذكر ما كتبه آلفين توفلر في كتابه “الموجة الثالثة”: “لقد جلبت لنا الحضارة نمطا عائليا جديدا، وغيرت طرق العمل، والحب والمعيشة، وظهر اقتصاد جديد نتج عنه مشاكل سياسية جديدة، وفي خلفية كل ذلك تبدل وعي الإنسان”.
فعند تأملاتنا في ممارسات الناس اليومية أصبح استخدام الموبايل في أخذ الصور واستخدام التطبيقات خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، أمرا أساسيا على اختلاف المستويات الاجتماعية والثقافية والعلمية، كما أصبح انتشار الأجهزة الإلكترونية كبيراً في جميع المجالات فتم التطوير على التلفاز، ليصبح هناك التلفاز الذي يشغّل القنوات عبر الإنترنت، وأصبح يمكن ربط الموبايل بالتلفاز والتصفح من خلاله، كما انتشرت الألعاب الإلكترونية على اختلاف أنواعها، وانتشرت الساعات الذكية والرقمية التي تتحكم في الكثير من الجزئيات في حياة الإنسان وتقيس مقدار التزامه بالتمارين الرياضية وغيرها.
كما أصبحت المؤتمرات تعقد عبر البث المباشر مع عدة جهات من مختلف دول، وازداد التعارف والتواصل بين الثقافات ومنها ما أثر على التكوين الأسري حيث أصبح البعض يرتبط بأجناس مختلفة ويختار شريكاً لحياته من خارج حدوده الجغرافية وخلفيته الثقافية بل وربما الدينية.
والتغيير التكنولوجي حلقة تعود وترجع إلى الحاجة إلى التغيير المجتمعي في مجال التكنولوجيا وتحسين الحياة على المستوى الفردي والمجتمعي ومنها تعود آثارها الإيجابية والسلبية على المجتمع نفسه، والتكنولوجيا تُعد مُلبيا أساسيا لحاجة الإنسان لتوفير الوقت والجهد وإيجاد نمط حياة أسهل وأحدث يوفر له الراحة والسعادة، والتغيير التكنولوجي يسهم بشكل كبير وأساسي في التغييرات المجتمعية الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال لا أحد ينكر ما فعله اختراع المفاعلات النووية من حروب وسياسات وتغييرات مجتمعية وإنسانية، كما أن التحسين في تكنولوجيا الزراعة ساهم في تحسين وتطوير اقتصاد العديد من الأمم.
وعندما نتحدّث عن النواة الأساسية في المجتمع وهي الأسرة، فنجد أن تطور التكنولوجيا أثّر بشكل كبير وملحوظ في طرق التواصل الأسري والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، فنجد أن التواصل الفعلي يتم استبداله بالمكالمات والرسائل، كما أن الانشغال بالإنترنت والأجهزة والألعاب أسهم بشكل كبير في تخفيف الساعات التي يقضيها أفراد الأسرة الواحدة معاً، وساهم بشكل كبير في التأثير على الأفكار والتوجهات نظراً لما يتم نشره وتداوله على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز والمذياع والإنترنت.
وعندما نتحدث عن نمط الحياة فنجد أن نمط الحياة السريع والسهل حلّ محل نمط الحياة البطيء والتقليدي، فمع انتشار التكنولوجيا التي تساعد الإنسان في تنظيم وتحسين نوعية حياته سَهُلَت حياة الإنسان وأصبحت سريعة الوتيرة، فبإمكانه الآن بضغطة زر واحدة أن يصنع قهوته التي يبدأ بها يومه وأن يحضّر طعامه وأن يقوم بكي ثيابه وتجفيفها وأن يقرأ على الآيباد والأجهزة اللوحية بل وأن يستمع صوتياً للكتب التي يُحب، وأن يدفع فواتيره ويتسوق إلكترونياً ويستمع إلى الموسيقى، ويستطيع الإلمام بأخبار العالم، والتواصل مع الأصدقاء والأهل الذين يقطن معهم أو الذين يعيشون خلف الحدود..
بينما في السابق كانت هذه الأعمال تتطلّب مجهوداً أكبر وتقضي الكثير من الساعات الطويلة ولكن نمط الحياة الاجتماعي كانت تسوده البساطة والمحبّة أكثر، لذا في عصرنا هذا نجد أن الأعمال اليدوية التي تتم بعيداً عن التصنيع تكلف أكثر لأنها صنعت بحب وبشكل أصلي عريق بعيداً عن أيدي الآلات، بينما نرى النمط الاستهلاكي منتشراً أكثر الآن والاهتمام بالمظاهر واقتناء الأجهزة والثياب أصبح يعد أحد ضرورات الحياة بل وأحياناً يضطر العديد من الأشخاص إلى الإسراف في ذلك وتقديم الأمور المتعلّقة بالمظاهر على حاجات أساسية أخرى وأخذ القروض لتحسين مستوى حياتهم التي لم تعد تغطيها مكتسباتهم وثروتهم.
وعلى الصعيد المهني فهناك العديد من الوظائف والمهن التي استحدثت مع زيادة التكنولوجيا وانتشار التطبيقات والمواقع الإلكترونية وأمن الشبكات والمواقع الاجتماعية، فأصبحت هناك وكالات خاصة للتسويق الإلكتروني وتطوير التطبيقات والمواقع الإلكترونية، وانتشرت أيضاً مواقع العمل عن بُعد، واستُحدثت الكتب والصحف والمجلات الإلكترونية التي استبدلت بالكثير من المطابع والصحف بالإضافة إلى الكتب المسموعة التي غدت ملائمة جداً لواقع سريع الوتيرة وعدم وجود الوقت للقراءة في كثير من الأحيان، كما أثّر ذلك على أساليب الكتابة والتعبير على المستوى الشخصي والمهني.
هذا وأثرت التكنولوجيا على التواصل الشخصي فأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي المحرّك الأساس للتواصل الإنساني واستبدل ذلك بالكثير من التواصل الحقيقي بين الناس بل وحتى المكالمات الصوتية تم استبدالها في كثير من الأحيان بالشات عبر الفيسبوك والواتس آب والعديد من التطبيقات للشات والمحادثة عبر الإنترنت..
كما أصبحت التعازي والتهنئة بالأفراح تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتعبير عن المشاعر والآراء أصبح بالكتابة والصور وتبادل المحادثات بل وحتى بفيديوهات البث المباشر والإعجاب بمنشورات الآخرين وإعادة نشرها، ما ساهم في وجود مؤثرين ونشطاء اجتماعيين وخلق العديد من المواضيع وانتشار الهاشتاقات والفعاليات التي يتم تغطيتها إلكترونياً بل وتعدّى ذلك إلى وجود علم تخصيص الكلمات المفتاحية، وأصبح التعامل مع صفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس مدى خبرتك واحترافيتك، فكلما ألممت بجزئياتها واستخدمتها في التسويق الشخصي لنفسك كلما كنت أقرب أيضا للنظر في مستقبلك المهني من قبل العديد من الشركات والمستثمرين.
وعلى مستوى التعليم ساهم التغير التكنولوجي في خلق المنصّات التعليمية الإلكترونية وفرص التبادل الثقافي عبر أبواب الإنترنت المفتوحة على العديد من الثقافات، بالإضافة إلى توفّر الفرص عبر الدراسة عن بعد والتقدم للعديد من المنح والفرص التطوعية في الخارج، بالإضافة إلى إيجاد طرق جديدة في التعليم كالمواقع والتطبيقات التي تقدّم الدورات الإلكترونية المجانية والمدفوعة، ووجود العديد من مقاطع الفيديو التي بإمكانها أن تعلّمك الكثير وأنت في مكانك، فأصبح الشخص الواعي بإمكانه استغلال الإنترنت لصالحه في تعلّم الكثير بدل أن يترك له انعكاسا سلبيا على حياته كما يفعل العديد.
فنحن لا ننكر وجود آثار سلبية أخرى للتقدم التكنولوجي كالكسل والسمنة والجرائم الإلكترونية وانتهاك الخصوصية والحد من الحياة الاجتماعية وخلق شخصيات افتراضية بعيدة كل البعد عن الشخصيات الحقيقية، ولكن يبقى الفانوس الذي يخرج منه مارد التكنولوجيا في أيدينا ونحن نتحكم بما نريده من هذا المارد ونحدد ما إذا كنا سنتأثر إيجاباً أم سلباً.
ط

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG