كل النظم الفرعية فى النظام الدولى بوصفه الناقل والمعالج للمعلومات التى تمثل مدخلات ومخرجات هذه النظم، والنظام الدولى ذاته، وعلى هذا فإن تطور النظام الاتصالى الدولى فى وقت ما، يعبر عن تطور النظام الدولى ذاته، وعن طرق وأشكال التفاعل فيه. ويضم النظام الاتصالى الدولى فى وقت ما، كل الدول ذات السيادة فى النظام الدولى، بغض النظر عن اشتراك جميع الدول فى بناء النظام وتطويره وإدارته، وتمتد مظلته لتشمل المناطق التى لا تشكل دولا.
ويتسم النظام الاتصالى، بالمكون الأيديولوجى بوصفه نظاما فرعيا من النظام الدولى، فضلا عن مجموعة نظم (مكونات) فرعية حددها فورتنز على النحو التالى:
1- مكونات تكنولوجية: مثل الاتصالات السلكية واللاسلكية والاقمار الصناعية، والإنترنت، وتوزيع الترددات، وتوزيع مدارات الأقمار الصناعية.. إلخ.
2- مكونات اقتصادية: مثل المسائل الاقتصادية والتعريفات والنظم الجمركية والضرائبية، واستراتيجيات استثمار رأس المال.
3- مكونات سياسية وتشريعية: مثل المسائل الخاصة بسيادة الدولة، والمعاهدات والاتفاقات الدولية، والتوازن الجيوبوليتكى.
4- مكونات ثقافية: وتشمل صور الأمم والشعوب، والهيمنة على إنتاج وتسويق الناتج الإعلامى.
5- مكونات السيطرة والضبط الاجتماعى: وتدفق المعلومات، والحق فى الاتصال.
وقد حدد شكل النظام الاتصالى الدولى وحركته القوى السياسية، والعسكرية والاقتصادية المركزية فى العالم، وأن النظام الاتصالى الدولى قد ساعد الحكومات الإمبريالية على ممارسة سيطرة مركزية على أغلب شعوب العالم. ويمكن عد التوسع الإمبريالى فى القرن التاسع عشر مؤشرا على كفاءة نظم الاتصال الداخلية والخارجية للدول الإمبريالية، وبالعكس.
النظام الإعلامى العالمى القديم – الجديد:
هو نظام يقوم على تعديل أسلوب تدفق الإعلام الدولى لكى يكون أكثر عدلا وتوازنا بين الدول المتقدمة والدول النامية، ولمواجهة المشكلات التى خلفها التدفق الإعلامى الدولى للدول النامية، طالبت هذه الدول عبر المحافل الدولية بإقامة نظام عالمى جديد للتبادل الإعلامى الدولى، ويعد النظام الإعلامى امتدادا للنظام الدولى.
ولم يعرف اصطلاح (النظام الإعلامى الدولى) حتى نهاية الحرب العالمية الباردة، ولكن الاصطلاح بدأ يتردد فى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات عندما شاع استعمال مصطلحات مشابهة فى مجالات السياسة والاقتصاد وغيرهما، ثم سرعان ما أخذ الاصطلاح يشق طريقه إلى الكتابات الإعلامية والأكاديمية عقب المحاولة التى تبنتها منظمة اليونسكو فى منتصف السبعينيات لمناقشة مشكلة الإعلام والاتصال الدولى.
الكارتل يتحكم فى التدفق الإخبارى الدولى:
ظهرت وكالات الأنباء الدولية قبيل منتصف القرن التاسع عشر، وكان أولها ظهورا وكالة هافاس الفرنسية عام 1835، ثم ظهرت وكالة وولف الألمانية عام 1849، ووكالة رويترز البريطانية عام 1851، ويعود تاريخ وكالة الاسوشيتد برس الأمريكية إلى عام 1851. وقد ظهرت وكالات الأنباء الأوروبية كوكالات دولية منذ نشأتها لخدمة المصالح الإمبريالية لدولها. أما الوكالة الامريكية فلم تتحول إلى وكالة دولية إلا مع نهاية القرن التاسع عشر.
إن الكارتل الاحتكارى الذى أنشأته الوكالات الأوروبية عام 1870 قد قسم السوق الدولية للأخبار بما يتناسب مع المجال الحيوى للقوى الإمبريالية، حيث اختصت الوكالة الفرنسية بأنباء دول أوروبا المطلة على البحر المتوسط، واحتكرت الوكالة الألمانية دول وسط وشمال أوروبا، أما الوكالة البريطانية، فقد احتكرت أنباء المناطق الواقعة فى إطار الخطوط الجغرافية للإمبراطورية البريطانية.
تعيد هذه الأحداث إلى الأذهان الأوضاع التى كانت سائدة فى الماضى، عندما كانت رويترز تتحكم فى الأنباء المرسلة من وإلى الولايات المتحدة، وهو الحق الذى اكتسبته طبقا لاتفاقية الاحتكار التى عقدتها مع الوكالات الأوروبية الرئيسية. ومن الناحية العملية، فإن الكارتل الأصلى الذى أنشأته رويترز وهافاس وولف وكانت الأسوشيتد برس عضو فيه لمدة طويلة، بالإضافة إلى مناطق التأثير الأمريكية الطبيعية التى عكست تغير توازن القوى نحو الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، كل ذلك أدى إلى استمرار تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ دائمة وقائمة حتى الآن. وقد ساعد ذلك على تجنب ما كان يمكن أن يسبب تنافسا حادا بين الوكالات. ويعد “كنت كوبر” المدير التنفيذى للأسوشيتد برس، وهو الذى قاد الحملة لتحطيم (الكارتل) وكان نابعا من الرغبة فى التوسع تعبيرا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية الأمريكية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية. ونفس الرغبة فى التوسع هى التى تفسر تبنى الولايات المتحدة لمبدأ حرية تدفق المعلومات بعد الحرب العالمية الثانية.
البعد التاريخى لمشكلة التدفق الإخبارى الدولى:
إن المبادئ المتصلة بالتدفق الإعلامـى الحـرInformation of Flow Free كانت قد أخذت مكانها على المستوى الدولى خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها، عندما برزت الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب مؤثر فى السياسة الدولية، وأضحت قوة فاعلة على مستوى النظام الدولى. فى هذه الأثناء بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس مـع الدول الغربية الأخرى هيمنتها الفكرية، التى انعكـست فـى معظم الوثائق والمعاهدات الدولية التى تم توقيعها فى أثنـاء الحرب وبعدها. وقـد اتسمت هـذه الوثـائق والمعاهـدات بالأيديولوجية الغربية والمبادئ الليبراليـة. وبحـسب لعبـة القوة، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الـدول الغربية، التى خرجت منتصرة من الحـرب، أن تفـرض مبادئها المتعلقة بالنظام الحر لتدفق المعلومات على المستوى الدولى. هذه المبادئ التى تم تكريسها فـى التعـديل الأولAmendment First على الدستور الأمريكى، حيث عملت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على فرض هذا النظام بما يحمله من قيم ومبادئ ليصبح “قانونا دوليا” يحكم عملية تدفق المعلومات على مستوى العالم. وقد تجسد ذلك بشكل واضح فى العديد من وثائق الأمم المتحدة ومنظماتها الرئيسية ومن بينها منظمة اليونسكو.
فى عام 1945، صدر دستور اليونسكو الذى أكد فى فقرته الثانية ضرورة تشجيع تبنى فكرة التدفق الحـر للمعلومات بين الدول من خلال الكلمة والصورة. وفى سـنة 1946، أصدرت الأمم المتحدة إعلانها بشأن حريـة تـدفق المعلوماتDeclaration on Freedom of Information الذى دعا دول العالم بـشكل واضـح إلـى تطبيق سياسات إعلامية تدعم سريان المعلومات الحر بـين الدول، وأكد حقوق الأفراد فى البحث ونقل المعلومـات دون قيود أو ضوابط.
فى عام 1948، قادت الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتى السابق وجهة النظر المقابلة، ففـى أثنـاء انعقاد مؤتمر جنيف بشأن حرية تدفق المعلومات أكدت هذه الدول أن الحرية الحقيقية لعملية تدفق المعلومات لا يمكن أن تصبح حالة واقعية قابلة للتطبيق ما دامت وسائل الاتـصال الغربية تقع فى دائـرة هيمنـة مجموعـة صـغيرة مـن الرأسماليين. غير أن هذه الأصوات لم تمنع تسارع فـرض المبادئ والقيم الغربية على الوثائق والمعاهدات والدسـاتير الدولية. فخلال العام نفسه، استطاعت الدول الغربية تعزيـز هيمنتها فى مجال التدفق الإخبارى الدولى باستصدار وثيقـة دولية جديدة ومهمة هى الإعلان العالمى لحقـوق الإنسان الذى أكدالمبادئ الغربية، ومن بينهـا حـق الأفـراد فـى البحـث والحصول على المعلومات بواسطة أى وسـيلة اتـصالية وبصرف النظر عن الحدود الدولية.
خلال التسعينيات من القرن الماضـى وبعـد انهيـار الاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشـتراكية، والـوهن الـذى أصاب حركة عدم الانحياز، تراجعت الدعوة إلى قيام نظـام إعلامى عالمى جديد، وأخذت السيطرة الغربية تفرض نفسها نتيجة لتحول العالم إلى نظام أحادى القطبية. غيـر أن هـذا العقد قد شهد تطورات عديدة من بينها محاولات العديد مـن دول العالم البحث عن بدائل إعلامية خارج دائرة الـسيطرة الحكومية، بسبب تزايد الضغوط الغربية.
تطور النظام الاتصالى والإعلامى فى مرحلة الحرب الباردة 1945-1989:
تعد فترة الحرب الباردة مرحلة جوهرية فى تطور النظام الاتصالى الإعلامى الدولى؛ لأنها شهدت اندماج مكونات النظم الأساسية التكنولوجية والقانونية لخدمة أهدفها الاستراتيجية فى الصراع. فقد ساعدت تكنولوجيات الاتصال، التى كانت فى حد ذاتها أحد مجالات التنافس والصراع بين الدول الكبرى، على تدويل الاقتصاد وظهور الاقتصاد العالمى، وإلى تحول النظم الرأسمالية من مرحلة المجتمعات الصناعية إلى مرحلة ما بعد التصنيع وظهور مجتمعات المعلومات والخدمات، وأدى الاندماج التكنولوجى/الاقتصادى، والاندماج التكنولوجى/العسكرى، والتكنولوجى السياسى فى مجالات الاتصالات المختلفة إلى إصرار الدول المتقدمة على عدم المساس بأوضاع النظام الاتصالى والإعلامى الدولى فى جوانبه السياسية والقانونية، والثقافية، وعدم فكرة التعديل والإصلاح لجعله نظاما دوليا أكثر عدالة وتوازنا لمصلحة دول الشمال والجنوب، وهو ما حول أوضاع هذا النظام إلى إحدى قضايا الصراع الأساسية فى النظام الدولى فى عقدى السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، ويمكن القول إن وضعية النظام الاتصالى الدولى فى نهاية القرن العشرين، بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1990، كانت مرحلة الانطلاق لتفاعلات مرحلة الحرب الباردة.
التدفق الإعلامى وسيادة الدول:
خلق تمركز وسائل الإعلام والاتصال فى البلدان المتطورة تفاوتا واختلالا فى تدفق المعلومات من الشمال إلى الجنوب، وحتى بين دول الشمال نفسها، خاصة مع بروز المجموعات الكبرى فى مجال الإعلام، التى تحتكر صناعة المعلومات وتدفقها فى العالم، كما أن التقدم التكنولوجى والعلمى فى مجال تقنيات الإتصال، جعل من شعوب العالم أكثر ارتباطا وقربا وأصبح لعنصر الاتصال دور مميز فى مجال العلاقات الدولية، فضلا عن مجال تشكيل وتوظيف السياسة الخارجية للدول. ويمثل عدم التوازن فى الاتصال والتبادل الإعلامى الدولى بين دول العالم أحد الأبعاد المهمة فى السياسة الدولية، وهذا ما أسفر عن ظهور ما يطلق عليه تدفق الإعلام فى اتجاه واحد، أى من الدول المتقدمة التى تملك القوة الاقتصادية والتكنولوجية إلى الدول الأقل تقدما.
توازن نظام القوى:
شهد النظام الدولى مفهوم توازن القوى كمفهوم تقليدى يعتمد أساسا على وجود وحدات متعددة تتوازن فيما بينها وفق آليات وقواعد تنظر إلى الوحدات الدولية جميعها ليتم تحقيق ذلك التوازن، ويشكل توازن نظام القوى حالة التوازن بين الدول، ويشير إلى الاستقرار أو عدم الاستقرار فى النظام الدولى.
وبظهور متغيرات جديدة تربط قضية أمن الفضاء، وتصاعد وتيرة الصراع الدولى، لا سيما فى ظل تحول الفضاء كساحة للبحث عن المكانة والقوة والنفوذ، إلى جانب حالة التعدد فى الفاعلين من غير الدول من جراء الثورة التكنولوجية، فقد أحدثت شبكة الإنترنت تحولا جوهريا فى معنى القوة.
زادت مخاطر الهيمنة والاختلال وعدم التوازن فى ضوء ثورة المعلومات