فعت الأزمة الراهنة إلى التفكُّر ملياً في معالجة واقع مرير اقتصادياً وصحياً، يستلزم إجراء مراجعات شاملة وناجزة، استطاعت الحكومة أن تحقّق باعاً في مجابهة جائحة «كورونا»، ونجحت صحياً، لكنها ما فتئت تسير على النهج القديم، الذي لم ولن يخلّصنا من حالة الإعياء الاقتصادي المتفشّية في البلاد، وبالتالي تُطلب من الحكومة ـــــ وفي خطٍّ متوازٍ ـــــ مواجهة التحدي غير المسبوق للوباء الذي غيّر المعادلة، وقلب «طاولة الحياة» برمتها، ما يستوجب الاجتهاد لمجاراة الزمن وتطوراته السريعة، عن طريق «حكومة رشيقة»، تضعنا على طريق التنمية الحقيقية، والذي وإن كان مُهدّداً فهو ما زال مُمهداً لبناء مؤسسات؛ قوامها الإدارة الكفوءة والعقلانية لمواردنا.
تستخلص مصادر متابعة بعض العبر من الأزمة الراهنة، حيث إن مقتضيات الحال تتطلب تسريع الإجراءات بلا اعتبارت شعبوية؛ فطريق الإصلاح الاقتصادي مؤلم دائماً، و ذلك يستلزم ــــــ قبل أن تُشرع الحكومة في تطبيق خريطة الطريق، التي وضعها صاحب السمو أمير البلاد ــــــ أن يعيد مجلس الوزراء هيكلة المؤسسات الحكومية، بدمج بعض الوزارات، والنظر إلى كثير من الهيئات، حتى وإن تطلب الأمر التخلّص من بعضها، واختيار الكفاءات الشابة مع الخبرات العريقة، إلى جانب وضع مقاييس للإنتاجية في مؤسسات الدولة بالتقييم والثواب والعقاب!
وترى المصادر نفسها أنه بعد تطبيق هذه الإجراءات يمكن للحكومة أن تبدأ التنفيذ على أساس قويم لجهة الإصلاح عبر برنامج يُرشِّد الإنفاق الحكومي، ويضع الخطط لتقليل الاعتماد على النفط. إن القطاع الخاص لم يفقد يوماً بريقه شريكاً رئيساً في التنمية؛ فهو مرادف للازدهار والنماء في كل دول العالم، سواء في تنويع مصادر الدخل أو توسيع القاعدة الإنتاجية للدولة، ومن ثم فإن تعزيز دوره وإزالة ما يعترضه من معوِّقات، وتقديم الحوافز الضرورية له، تقع على عاتق الحكومة في المقام الأول؛ فهي الراعية لمقدّرات البلاد.
وزادت: «الكويت مقبلة على تحدٍّ كبير وغير مسبوق، فاليوم ليس كالماضي.. أزمات تلو أزمات، والحكومة ربما هذه المرة تتعلم الدرس بعد أن بلغ السيلُ الزُّبَى، وفاض الكيل، ويكفي تأكيد سمو الأمير على تركيز جهودنا لبناء اقتصاد مستقر ومستدام».
اقتصاد متنوّع
قالت المصادر: لا تُمكننا مجابهة التحدي الكبير سوى باتخاذ إجراءات صعبة ومؤلمة، لا بد من تحمّلها حتى نعبر سنوات الفشل في الوصول إلى اقتصاد متعدد الموارد، لا يركن إلى أحادية الدخل؛ إذ حان الوقت لتنفيذ ما يلي:
1- المؤسسات الحكومية تحتاج إعاده هيكلة؛ كدمج وزارات وتخصيص جزء من خدماتها، وإلغاء مناصب شكلية تعجّ بها جهات ودوائر حكومية، لا تُسمن ولا تُغني سوى شاغليها، وكذا لجم الهدر الكبير في النفقات، والذي بلغ حدّاً لا يمكن السكوت عنه، تحت أي ظرف، والذي يستحيل الاستمرار معه خلال هذه المرحلة، في ظل تدنّي أسعار النفط وتراجعها، مع العلم أن تطبيق الرسوم والضرائب لن يرى النور قبل أن يتم وقف الهدر ودمج وزارات وتقليص هيئات.
2- العالم سيواجه اقتصاداً صعباً في السنوات المقبلة، وعلى الحكومة ـــــ التي تسيطرعلى الاقتصاد وإيرادات النفط والأراضي والإنفاق على المشاريع والمسؤولة عن إعطاء الرخص والرقابة ـــــ أن تكون جادة في التغيير، حتى وإن تطلب الأمر أن تتم الاستعانة بخبرات عالمية للمساعدة في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل تأخّر إنجاز كثير من المشاريع.
3- ما زالت الحكومة تدير قطاع الكهرباء والاتصالات الأرضية عن طريق وزارات الدولة منذ ستينيات القرن الماضي، والكويت من الدول القليلة في المنطقة التي ما زالت تدير المرافق الخدمية عن طريق القطاع العام؛ فلذلك عليها اليوم العمل والإسراع في تخصيص بعض الخدمات الحيوية التي تمكن إدارتها بشكل أفضل عبر القطاع الخاص.
4- التركيز على تنمية الموارد البشرية وتأهيل الكوادر الوطنية نحو إنتاجية أفضل، بإمكانها أن تضيف الكثير للاقتصاد الوطني. والاستعانة بالخبرات الوطنية الحالية والمتقاعدة في جميع المجالات للمساهمة في انجاز خريطة طريق اقصادية جديدة والبدء في تنفيذها، على أمل أن يكون التغيير سريعاً؛ فعامل الوقت مؤثّر جدّاً في مستقبل اقتصاد البلاد.
5- العمل على معالجة التركيبة السكانية وتقليل العمالة الهامشية وغير المتعلمة.
6- الاعتماد على التكنولوجيات والتقنيات الحديثة في جميع الخدمات المقدمة.
7- إسناد وتكليف بعض المهام والمسؤوليات للقطاع الخاص، الذي أثبت ناجحه وجرأته، وتمكّن من الانتشار في المنطقة سريعا، بعد نجاحه في وطنه.
استسهال الأزمة.. كارثة!
حذًّرت مصادر اقتصادية مجدّداً من استسهال الأزمة الحالية وإقدام الحكومة على شراء الوقت، فلم يعد الظرف يحتمل مزيداً من الكوارث بتأخير تنفيذ التوجيهات الأميرية السامية، التي سبق للحكومات السابقة إرجاؤها طويلاً. وقد كنا نحذّر ونوصي إلى جانب مؤسسات دولية ومحلية، بجهة تطبيق خطط الإصلاح الاقتصادي التي من شأنها تحقيق اقتصاد مستدام ومتعدد الموارد، من دون الاعتماد على دخل وحيد.
الفرصة الأخيرة للإصلاحات
قالت المصادر إنه مع توالي الأزمات، طالبنا بمعالجات ناجعة، وليس مجرد مسكِّنات، سرعان ما يزول مفعولها بعد وقت قصير، وهو ما كان يحدث دائماً، أمَا وقد جاءت «الصدمة الكبرى»، متمثّلة في جائحة «كورونا»؛ فعلى الحكومة ــــــ التي نقدِّر انشغالها بمواجهة فيروس كورونا ــــــ استثمار الفرصة الأخيرة لكل من الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري في البلاد، لافتةً إلى أن «كورونا» الضارة قد تكون نافعة، وفرصة لسحق ما اعتدنا عليه سنوات طويلة في التلكُّؤ الحكومي، وشراء الوقت لتأجيل أي عمليات للإصلاح.