يكتسب التعافي الاقتصادي من وباء “كورونا” في الصين مزيداً من الزخم، في حالة يمكن وصفها بأنها تسير عكس الاتجاه السائد؛ ليبقى السؤال: هل تنجح بكين في إنقاذ العالم؟
وتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي في ثاني أكبر اقتصاد عالمي إلى 4.9% على أساس سنوي في غضون الثلاثة أشهر المنتهية في سبتمبر الماضي، مقابل زيادة 3.2% خلال الربع الثاني من العام الجاري، كما توضح أحدث بيانات رسمية.
قراءة في أرقام الربع الثالث
ومع ذلك، كانت وتيرة النمو أبطأ قليلاً مما توقعه الاقتصاديون، حيث كانت تشير إلى أن اقتصاد الصين سيتوسع بنحو 5.2% خلال الربع الثالث على أساس سنوي.
ويأتي أداء الاقتصاد الصيني مع تعافي مبيعات التجزئة لتتجاوز المستويات المسجلة قبل تفشي الفيروس لأول مرة، كما ارتفع إنتاج المصانع مدعوماً بالطلب على صادرات أقنعة الوجه وغيرها من الإمدادات الطبية.
وبحسب البيانات، قفزت مبيعات التجزئة في الصين – مؤشر على الاستهلاك – بنحو 3.3% خلال سبتمبر الماضي على أساس سنوي مقابل زيادة 0.5% في أغسطس.
وتظهر هذه القفزة الكبيرة أن استهلاك المواطنين في الصين قد استقر أكثر، كما أن هناك إشارات على زيادة الإنفاق من جانب الشركات.
كما ارتفع الإنتاج الصناعي بنحو 6.9% في سبتمبر على أساس سنوي، وهو ما يمثل تحسناً معتدلاً مقارنة مع زيادة 5.6% في الشهر السابق له، مع حقيقة أن غالبية النمو تركز في صناعات ذات الصلة بالتكنولوجيا، حيث نمت صناعة الروبوتات بنحو 51.4% في الشهر الماضي على أساس سنوي على سبيل المثال.
وفي سياق آخر، نمت استثمارات العقارات بنحو 5.6% في أول تسعة أشهر من العام بعد نمو بلغ 4.6% في غضون الأشهر من يناير وحتى أغسطس الماضي.
ويعني ذلك أن استثمارات العقارات توفر مرة أخرى دعماً كبيراً لثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن مع ذلك فإنه يُعد بمثابة أمر مقلق بشكل خاص لأن مطوري العقارات الكبار قد يواجهون مشكلة في الحصول على المزيد من الأموال.
التوسع الوحيد
ساهمت قراءة الربع الثالث في بلوغ النمو التراكمي لاقتصاد الصين خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 0.7%، ليسير على الطريق الصحيح نحو التوسع في مجمل 2020.
وأصبحت الصين أول اقتصاد رئيسي يعود للنمو بعدما أعلن الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد في مارس الماضي السيطرة على الفيروس وبدأ إعادة فتح المصانع والمتاجر والمكاتب.
وينسب الفضل في التعافي السريع للصين إلى عمليات الإغلاق الصارمة التي نفذتها البلاد بالإضافة لاختبارات الفيروس الهائلة وتتبع حالات الإصابة بين السكان، فضلاً عن الاقتصاد الكبير الذي يمكنه تحمل العزلة إلى حد ما وكذلك التحفيز المالي من خلال التوسع الائتماني، كما يقول المحللون في شركة “نومورا” خلال مذكرة بحثية.
وفي الأسبوع الماضي، تم إجراء اختبار للفيروس على 10 ملايين شخص في مدينة تشينغداو، بعد اكتشاف 12 إصابة، ليكون أول إبلاغ عن إصابات بعد أكثر من شهرين من تسجيل حالات جديدة.
وتشير معظم التقديرات إلى أن الصين – وهي أول دولة تدخل أزمة الوباء كما كانت الأولى في إنهائه – ستكون الاقتصاد الرئيسي الوحيد الذي من المتوقع أن يسجل نمواً خلال العام الجاري، في حين أن النشاط في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرهم يتجه لتسجيل انكماشاً اقتصادياً في 2020.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، قد ينمو اقتصاد الصين بنحو 1.9% خلال العام الحالي، وهي تقديرات أفضل من تقرير يونيو الذي توقع توسعاً 0.9%.
وبالمقارنة، يرى الصندوق الدولي أن اقتصاد الولايات المتحدة سوف ينكمش بنحو 5.8% هذا العام، كما ستشهد 19 دولة أوروبية تستخدم العملة الموحدة انكماشاً بنحو 8.3% في الفترة نفسها.
ويقول صندوق النقد خلال تقرير التوقعات المستقبلية عن شهر أكتوبر إنه في حين كان التعافي السريع في الصين مفاجئاً في الاتجاه الصعودي، إلا أن المسار المطول للاقتصاد العالمي للعودة لمستويات النشاط قبل الوباء تظل عرضة للنكسات.
نظرة الغرب
في حين انتقد بعض الساسة في الغرب الطريقة التي تعاملت بها بكين مع الانتشار الأولي للفيروس أواخر العام الماضي، لكن سياسات الإغلاق الصارمة التي نفذتها الصين وعمليات التتبع ساعدت في السيطرة على الوباء داخل حدودها لتكون أول من يخرج من الأزمة.
كما خصصت الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد حول العالم مئات المليارات من الدولارات لمشاريع البنية التحتية الكبرى من أجل دعم النمو الاقتصادي.
لكن في المقابل، تواجه الولايات المتحدة ودول أوروبا الآن تسارعاً في انتقال العدوى بالفيروس، لتتجه باريس ولندن ومدن أخرى لإعادة فرض تدابير الإغلاق.
وفي حين تظل اقتصادات كبرى متعثرة حتى ينخفض عدد الإصابات مجدداً، فإن الصين سوف تستمر في المضي قدماً على طريق التعافي.
ويعتقد محلل السوق العالمي في بنك “جيه بي مورجان” لإدارة الأصول “تشوبينج تشو” أن التعافي الأخير في الاقتصاد يشير إلى نمو أوسع نطاقاً في البلاد.
وفي محاولة للدعم، ضخ البنك المركزي في الصين مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد عبر خفض الاحتياطي الإلزامي الذي يتعين على المصارف الاحتفاظ به، ما أدى لإتاحة المزيد من رأس المال في الاقتصاد.
وتعهد الحزب الحاكم في مايو الماضي بإنفاق 280 مليار دولار لتحقيق المستهدفات بما في ذلك توفير 9 ملايين وظيفة جديدة، لكن البلاد تجنبت طرح حزم تحفيز ضخمة بسبب القلق حيال زيادة الديون الصينية المرتفعة بالفعل.
وهكذا نجحت الصين في تفادي الوقوع في حالة من الركود الاقتصادي (والتي تعرف فنياً بانكماش لمدة فصلين متتاليين)، وذلك خلال الربع الثاني بعدما عكست اتجاه الانكماش التاريخي الذي عانت منه في أول ثلاثة أشهر من العام، حيث تراجع الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة قياسية بلغت 6.8% مع ضغوط الإغلاق التي تسبب فيها الوباء.