عند الحديث عن الاقتصاد التحتي فإن أول ما يتبادر للذهن المعنى السلبي، ذلك أنه معناه ارتبط لدينا باقتصاد الجريمة والمخدرات، إلا أنه أحد وجوه الاقتصاد التحتي الذي يعد من الظواهر المعقدة والتى تضم الكثير من الجوانب المختلفة التى تحتاج إلى درجة أكبر من الفهم، في هذا المقال سنتعرف على الصورة الكاملة للاقتصاد التحتي وأسباب ظهوره وأنواعه.
أولاً: مفهوم الاقتصاد التحتي

لو كنت تعمل على سيارة أجرة بعد رجوعك من وظيفتك الرسمية لزيادة دخلك، أو كنتِ تقومين بصنع الحلويات في المنزل وبيعها، أو حتى كنتم تعملون في الدروس الخصوصية المنزلية، فإن هذه الأنشطة والدخول الناشئة عنها تدخل ضمن الاقتصاد التحتي الذي لا تعلم الحكومة عنه شيئاً.

هذه الممارسات على الرغم من كونها انشطة مشروعة في ذاتها إلا أنها تعد غير مشروعة قانونياً لأنها لا تدخل ضمن الحسابات الرسمية للدول، مما يربك حساباتها وخططها المستقبلية، ويؤدي إلى عدم دقة تقدير التحصيل الضريبي، وعدم دقة احصائياتها عن معدل البطالة، وهذا يوجد فجوة ما بين البيانات الاقتصادية للدولة والواقع الفعلي.

يعد هذا جانب سلبي من الاقتصاد التحتي إلا أن هناك جانب أكثر خطراً حيث يتضمن ممارسة أعمال غير مشروعة وبطريقة غير قانونية تندرج تحت مظلة الاقتصاد الأسود مثل تجارة الأسلحة، والدعارة، وتجارة البشر، والرشوة، والتزوير.

باختصار فإن هذا القطاع الاقتصادي يتكون من معاملات لم يتم الإعلان عنها لأغراض ضريبية، وبالتالي لا يتم أخذها في الاعتبار في الإحصاءات الرسمية، ومن ناحية أخرى يشمل نشاطات الاقتصاد الاسود.

وبناءً على ماسبق يمكن تعريفه بأنه:

كافة الأنشطة المولدة للدخل الذى لا يسجل ضمن حسابات الناتج القومى إما لتعمد إخفاءه تهربا من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة ، واما بسبب أن هذه الأنشطة المولدة للدخل بحكم طبيعتها تعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانونى السائد فى البلاد.

هناك عدة توصيفات تشير إلى الاقتصاد التحتي، حيث يطلق عليه الاقتصاد الخفي، والاقتصاد الأسود، والاقتصاد غير المرئى، والاقتصاد المغمور ( الغاطس )، والاقتصاد السفلى، والاقتصاد غير الرسمى، والاقتصاد الثانى، والاقتصاد غير المسجل، واقتصاد الظل، والاقتصاد المقابل، واقتصاد الباب الخلفى، وغير ذلك. وأيا كانت التسمية فإنه من الظواهر المعقدة التي تحتاج إلى التحليل والفهم.

اقرأ أيضاً: 7 مفاهيم أساسية تتعلق بالحسابات القومية

ثانياً: أنواع الاقتصاد التحتي

يضم هذا المسمى مجموعة من الأنشطة التى تشترك فى محاولة التهرب الضريبى أو تجنب القيود الروتينية الموضوعة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادى، تتميز هذه الأنشطة بالسرية من حيث أنها خارج الاحصائات الحكومية الرسمية، ويندرج تحت هذا المسمى نوعين رئيسيين من الأنشطة وهما:

الاقتصاد غير الرسمي: حيث يتم التعامل بسلع أو خدمات مسموح بها قانونياً إلا أنها غير مسجلة في إحصائات الحكومة، مثل نجار أو حداد لا يحمل رخصة من الجهات المختصة، مدرس خصوصي لا يتبع لمدرسة أو جهة مسجلة، المشاريع البيتية لصناعة الطعام والصابون.
اقتصاد الجريمة: يتم التعامل فيه بسلع وخدمات غير مشروعة قانونياً، مثل تجارة الأسلحة، والإتجار بالبشر أو الأعضاء البشرية، وتجارة الأثار.

وهنا يظهر الفرق واضحاً بين نوعين من الاقتصاد التحتي، ولذلك لابد من التنبيه أنه من غير المنصف أن نطلق على من يعمل عمل إضافي ليوفر قوت أبنائه بأنه اقتصاد تحتي مثله كمثل الذي يتاجر بالمخدرات!، وعلى ذلك تعتبر تسمية الاقتصاد غير الرسمي هي الأدق والأصح فيما يخص الصنف الأول.

اقرأ أيضاً: دليلك المبسط لفهم الضرائب

ثالثاً: أسباب ظهور ونمو الاقتصاد التحتي

هناك عدة أسباب تؤدي إلى ظهور وتزايد الاقتصاد الخفي بشقيه الرسمي واقتصاد الجريمة، في ما يلي سنورد مجموعة من الأسباب التي أدت إلى ظهوره.

تزايد أعباء الضرائب على الشركات، مما يشجعها على التهرب الضريبي أو التجنب الضريبي نتيجة لضخامة المبالغ الواجب دفعها للدولة. مما يؤدي إلى انخفاض الولاء للمؤسسات الحكومية وهبوط مؤشر الثقة لدى المواطنين من ناحية الضرائب.
عدم العدالة التوزيعية للدخل والثروة، حيث أن دخول الطبقة الوسطى والدنيا لا تغطي تكاليف الحياة الكريمة لأصحابها، مما يشجعهم على البحث عن عمل إضافي للوفاء بإلتزاماتهم الأسرية، أو يؤدي بهم إلى قبول الرشاوي أو القيام بأنشطة مخالفة للقانون.
غياب دور الحكومة في معالجة الفساد بأشكاله المتنوعة، كأن يوضع أفراد فاسدين في مناصب تتيح لهم استغلال مناصبهم وتلقي الرشوة، كما ينتج عن ذلك ضعف في مراقبة حركة الأسعار ونقص السلع في الأسواق مما يشجع على نشوء سوق سوداء لتكميل النقص في الطلب مما يعني تحقيق مكاسب طائلة خارج الإطار القانوني الرسمي للدولة.
ضعف مخرجات التعليم وما ينتج عنه من عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، مما يؤدي لتوجه عدد كبير من الخرجين للعمل في قطاعات خارج الرقابة الرسمية وتتطلب كفاءة أقل.
تخفيض ساعات العمل الأسبوعية، وتخفيض سن التقاعد، ونمو معدل البطالة، جميعها أسباب تؤدي لوجود أفراد مؤهلين للعمل دون وظائف، مما يؤدي إلى لقيامهم بوظائف خارج الرقابة الرسمية.
كثافة التعليمات والقوانين اللازمة للحصول على ترخيص لبدء مزاولة العمل.
التطور التكنولوجي ودوره في زيادة عمليات تحويل الأموال عبر الانترنت، خاصة مع استخدام الهواتف النقالى في عمليات الدفع، بالإضافة لعمليات السطو الإلكتروني سواء على الأفراد أو الشركات.

اقرأ أيضاً: السياسة المالية | كيف تسعى الدول لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ؟

رابعاً: الآثار السلبية للاقتصاد التحتي

تتحمل المجتمعات الانعكاسات السلبية للاقتصاد التحتي، والتي تعتبر نتيجة منطقية لأسباب ظهوره ابتداءً، ومن هذه الآثار:

تضليل البيانات الحكومية الرسمية وعدم تمثيلها للواقع، عن طريق إعطاء نسب غير صحيحة للمؤشرات الاقتصادية مثل حجم الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات النمو الاقتصادي، ومن ثم الإضرار بالخطط المستقبلية للدولة، وعدم تحديد إمكاناتها بشكل واقعي حقيقي، مما يؤثر سلبا على الاستقرار الاقتصادي من خلال زيادة التضخم والبطالة، ورفع الضرائب.
الخطأ في تخصيص الموارد في القطاعات المختلفة داخل الدولة.
التهرب الضريبي يؤدي إلى تقليص حجم إيرادات الدولة الضريبية، مما يؤثر على قدرتها على توفير الخدمات العامة وصيانتها.
تفشي الجرائم وزيادة معدلات الجريمة والمشاكل الاجتماعية نتيجة لطبقية الاجتماعية وعدم العدالة في توزيع الدخل والثروة.

على الرغم من الآثار السلبية سابقة الذكر إلا أن الاقتصاد التحتي غير الرسمي يسهم في توفير فرص عمل للطبقات المتوسطة والدنيا، كما يسهم في توفير فرص عمل بوقت أقل مما تحتاجه خطط الدولة الرسمية.

اقرأ أيضاً: 4 معلومات جوهرية عن معدل البطالة

خامساً: كيفية تقدير الاقتصاد التحتي

تتعدد الطرق المتبعة في تقدير حجم الاقتصاد التحتي، وتختلف الاساليب المستخدمة تبعاً لنشاطات الدولة وهيكلها الاقتصادي، وتبعاً للقوانين التي تحدد ما هو مشروع من الأعمال وما هو غير مشروع، بشكل عام هناك أربع طرق متبعة لتقديره:

طريقة التقدير المباشر: من خلال تحديد الأنشطة التي ترتبط بالاقتصاد التحتي وتقدير الدخل الناتج عنها في الدولة ككل.
طريقة التقدير غير المباشرة: تعتمد هذه الطريقة على مقارنة حجم الدخل والإنفاق المقدرة في الحاسبات القومية بما هو قائم في ارض الواقع.
طريقة الناتج القومي: تعتمد على التفاوت في الاحصاءات القومية للدخل والإنفاق، يتم مقارنة التقديرات الرسمية للناتج القومي في جانب الاستهلاك بالتقديرات الرسمية في جانب الدخول، على اعتبار أن الاقتصاد التحتي يؤثر في جانب الدخل فقط.
الطريقة الإحصائية: تعتمد على حساب الفرق بين عدد السكان الذي يفترض أنهم جزء من القوة العاملة وعدد السكان المسجلين رسمياً باعتبارهم قوة عاملة فعلياً في الدولة.
متابعة مؤشرات جزئية: من خلال النظر في ما هو مطلوب استخدامه من خدمات لتحقيق دخل معين وبين المقدار المستهلك فعلياً، الفرق بينهما يمثل حجم الاقتصاد التحتي.

اقرأ أيضاً: كيف ظهرت دول العالم الثالث ؟

وفي النهاية كما رأينا فيما سبق فإن السمة الأبرز للاقتصاد التحتي هي السرية والبعد عن رقابة الجهات الرسمية، ولذلك من الصعب تحديد حجمه بدقة، إلا أن الدراسات تبين أنه موجود في دول العالم ككل، إلا أنخ يكون أكثر قوة ونشاطاً في دول العالم الثالث.

لكن هل ترى أن بلدك تعاني من تضخم في حجم الاقتصاد التحتي

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG