العرض أو ذاك جذابا فعلا ومستداما هو جعله مؤطرا بثقافة سياحية رفيعة مع كل ما تقتضيه. وهذا ما يفتح الباب أمام جدلية سياحة الثقافة وثقافة السياحة، أيهما أولا.
لا توجد منطقة لا تتوفر على ثرات ثقافي وأماكن جذب وموارد متنوعة يمكن استثمارها سياحيا؛ إلا ان، ما يميز منطقة عن أخرى هم أهاليها، خصوصا إذا ما كانوا يحملون قناعات بأن السياحة إنما هي مسألة ثقافية. فالسياحة ثقافة إحداها ركائزها “القيم والسلوكيات” مع ما تقتضيه من الالتزام، انضباط، انتماء، احترام، مسؤولية وتفاني في الخدمة، لطف ولباقة، كفاءة، ثم احتراف. وحسب إحدى النشرات السياحية التي وقعت بين يدي مؤخرا، والتي تقوم بإعدادها وتوزيعها بلدية إحدى المدن الشاطئية الإسبانية فإن «الثقافة السياحية تقوم على منظور التنمية المستدامة، من حيث أنها استثمار ملائم للموارد (طبيعية، مادية، مالية وبشرية) ، لتحقيق أكبر قدر من رضا الزوار وأكبر فائدة للمجتمع المضيف».
جملة بسيطة تحتوي على نظرة شاملة لمفهوم النشاط السياحي، من حيث انه التزام تعاقدي بين الزائر والمقيم. إلا أن مقارنة بسيطة بين هذه الجملة وما نعيشه ونشاهده خلال فترات العطل بمراكز الاصطياف والاستجمام المغربية المعروفة يجعل المرء يخرج بخلاصة سريعة مفادها أننا بعيدون كل البعد عن هذه الثقافة، وأن ما يسمى سياحة داخلية لا يعدو أن يكون “حركات بشرية” منفلتة، أو نشاط بشري عشوائي يحقق نوع من الرواج التجاري والاقتصادي إلا أنه لا يحقق أي إشباع ولا يوفر أية راحة، من حيث انه لازال محكوما بالرغبات البيولوجية، من جهة، وانتهاز الفرص لتحقيق أكبر قدر من الارباح السريعة، من جهة اخرى، أكثر منه نشاط ثقافي تحكمه التزامات وتقيده ضوابط.
لهذا فإن غياب رؤية استراتيجية خاصة بقطاع السياحة الداخلية لدى سلطات البلاد عموما والجماعات المحلية على وجه التحديد، – يكون فيها الموروث الثقافي والحضاري حاضرا بقوة، من أجل تحويل هذا القطاع إلى رافعة اقتصادية مهمة– هو ما يفضي إلى غياب شبه كلي لثقافة سياحية متينة لدى المواطنين، يمكن أن تساهم أيضا في تطوير وتجويد هذا القطاع، وفي ظل كل هذا ستبقى مظاهر الفوضى والعشوائية واللامعنى بأهم مراكز الاصطياف الوطنية هي السائدة، مادام سياحتنا الداخلية ليست ثقافية إطلاقا ولا تحكمها أية ثقافة سياحية سوى ما تفاقت عنه كل فرد على حدة