تعاني مملكة البحرين – ماليًا واقتصاديًا – منذ بداية عام 2015 من أزمة مستفحلة، تقودها أزمة انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، وزادتها صعوبة أزمة فايروس كورونا وتداعياتها التي لم تكن المنامة مستثناة منها. وفي الوقت الذي قدمت فيه ثلاث دول خليجية (الكويت والسعودية والإمارات) دعمًا في عام 2018 بنحو 10 مليارات دولار لاقتصاد البحرين، تُدفع على دفعات متتالية، لم تقدم مؤسسات العمل العربي المشترك أيّ خطة إصلاح لاقتصاد البحرين أو حزمة تمويلية، نخص بالذكر صندوق النقد العربي ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية.
لم تكن البحرين خارج نطاق ما أعلنته دول الخليج غير مرّة من ضرورة تنويع اقتصادها لمواجهة ما تعانيه من مشكلات، وبخاصة في فترات هبوط أسعار النفط الذي يعد المورد الرئيس لاقتصاد البلاد.
اليوم، لم تعد القضية تتلخص في أن يكون سعر النفط في تحسن وحسب، فالمطلوب للوصول لسعر تعادل في ميزانية البحرين، أن يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار. في مارس 2021، خرج تقرير بعثة صندوق النقد الدولي، ليعبر من خلال زيارة خبرائه للبحرين، عن وضع اقتصادي صعب، وبخاصة في ظل ثنائية التداعيات السلبية لفيروس كورونا عام 2020 من جهة، واستمرار انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية من جهة أخرى.
وتشير مجموعة المؤشرات الاقتصادية الكلية التي تضمنها تقرير خبراء صندوق النقد، إلى وصول الدين العام إلى نسبة كبيرة بلغت 133% من الناتج المحلي الإجمالي. ليس هذا فحسب، بل يتوقع التقرير أن تصل هذه النسبة إلى نحو 155% بحلول عام ٢٠٢٦، وهو ما يعني أن الأزمة المالية في البحرين، قائمة في الأجلين القصير والمتوسط، وأن برامج المساعدات التي قدمتها بعض دول الخليج بنحو 10 مليارات دولار، هي مجرد مسكنات، وعلى البحرين أن تبحث عن حلول جذرية.
ما قد ينقذ اقتصاد البحرين في مثل هذه الأزمة، هو أن تزيد من حالة اندماجها في اقتصاديات المنطقة العربية، وبعض دول الشرق الأوسط التي يمكن أن تمثل رافداً إيجابياً لاقتصاد البحرين. هناك أيضاً مساحات تستطيع البحرين أن تتحرك في إطارها داخل منطقة الشرق الأوسط، مثل تركيا وإيران.
وبطبيعة الحال، فإن ارتفاع نسبة الدين العام في البحرين إلى المعدلات المعلنة، هو نتيجة طبيعية لتراجع معدلات نمو الناتج المحلي وانخفاض أسعار النفط، فتقرير صندوق النقد الدولي أوضح أن نمو الناتج المحلي في البحرين بلغ سالب 5.4% في عام 2020. وتظهر بيانات حكومة البحرين أن الناتج خلال الربع الأول من عام 2021 استمر بالانكماش بنسبة 2.11%، إلا أنه شهد حالة من التحول للنمو الإيجابي بنحو 5.7% في الربع الثاني من عام 2021. ويعود التحسن في أداء الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من عام 2021، إلى التحسن الذي شهدته أسعار النفط في السوق الدولية خلال هذه الفترة. جدير بالذكر أن أسعار النفط في السوق الدولية شهدت تحسنًا ملحوظًا في النصف الثاني من عام 2021، وهو ما سينعكس عن نتائج النمو الاقتصادي في البحرين خلال هذه الفترة، عندما تعلنها الحكومة.
ويؤكد على تأثير تحسن أسعار النفط إيجابيًا على أداء الناتج المحلي للبحرين، ما أعلنه رشيد المعراج محافظ البنك المركزي في نوفمبر 2021، وتوقعه أن ينمو اقتصاد بلاده بنهاية 2021 بنحو 3.1%، وأن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي قد ارتفعت في سبتمبر 2021 لنحو 1.63 دينار بحريني (يعادل الدينار البحريني 2.65 دولار). ويعد تقدير المعراج قريبًا بشكل كبير مع تقدير البنك الدولي الذي صدر في أكتوبر 2021، والذي توقع أن ينمو اقتصاد البحرين بنحو 3.2%، إلا أن تقرير البنك الدولي شدد كذلك على تنامي مشكلة الدين العام هناك.
خطة الاصلاح
يركز تقرير خبراء صندوق النقد الدولي على ضرورة اصلاح المالية العامة في مملكة البحرين، حيث بلغ العجز بالميزانية العامة للمملكة نحو 18.2% في 2020، كما أن عجز الحساب الجاري بلغ في نفس العام 9.6%، إلا أن حكومة البحرين أعلنت في أغسطس 2021، أن ثمة تحسن في عجز ميزانية الدولة، حيث بلغ العجز في النصف الاول من عام 2021، نحو 520 مليون ديناير بحريني (ما يعادل 1.38 مليار دولار)، وبذلك يكون العجز انخفض بنسبة 35%، مقارنة بما كان عليه في نفس الفترة المناظرة من عام 2020.
ويرى تقرير صندوق النقد الدولي أن اصلاح المالية العامة من شأنه أن يحد تدريجيًا من قيام البنك المركزي بإقراض الحكومة، وهو ما سيساعد البنك على إعادة بناء احتياطي النقد الأجنبي مرة أخرى.
ومن هنا وجدنا البحرين قد رفعت قيمة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10%، ودخلت حيز التنفيذ مع بداية يناير 2022. ولابد أن نأخذ في الاعتبار أنه مهما كانت العوائد الضريبية متزايدة، فإن مردودها في حالة البحرين سيكون ضعيفًا.
جدير بالذكر أن الحكومة البحرينية كانت قد أعلنت عن خطة للاصلاح للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، تبلورت ملامحها العامة في اتخاذ مجموعة خطوات حتى عام 2024، حيث تستهدف الحكومة تحقيق التوازن المالي في هذا التاريخ، أي بعد نحو عامين من الآن، وتتضمن هذه الخطة استهداف إطلاق مشاريع استراتيجية بما يفوق 30 مليار دولار، وكذلك العمل على توظيف نحو 20 ألف مواطن كل عام، وكذلك تدريب 10 آلاف مواطن آخرين، من أجل تنشيط الواقع الاقتصادي في البلاد.
دور التكامل الاقتصادي العربي
التكامل الاقتصادي العربي لا يعد علاجًا لدولة بمفردها، لكنه يستطيع أن يجنب دول المنطقة العديد من الصدمات الاقتصادية الخارجية. وفي الحالة البحرينية التي تستهدف إطلاق مشاريع استراتيجية بنحو 30 مليار دولار، فلن تكون الديون هي البوابة المناسبة لتلك المشاريع بل الاستثمارات العربية المتبادلة، خاصة أن دول الخليج التي تقدم مساعدات للبحرين، تمتلك أكبر الصناديق السيادية في المنطقة والعالم بنحو 2.6 تريليون دولار، وتوفير استثمارات وزانة داخل البحرين لا يحتاج إلى أكثر من إرادة سياسية