هرت تكنولوجيا التعليم نظراً للتغيرات المستمرة والتطورات السريعة المتلاحقة، والثورة العلمية والتقنية المتنامية والمذهلة، والتي أدت إلى تغيير مفهوم التربية الحديثة، وسعت إلى تطوير التعليم بالاعتماد على تكنولوجيا التعليم بما تملكه من قدرة على توفير بيئة تعليمية قوية ومرنة، وما تقدمه من وسائل لتوصيل المعلومات.
ونظرا لظهور الكثير من المفاهيم الجديدة والتي تحتاج إلى تحديد لمعانيها ومضامينها، ومن بين هذه المفاهيم بالطبع مفهوم تكنولوجيا التعليم والذي لا يزال يشوبه الكثير من الخلط، والغموض حتى الآن. فإن هناك حاجة ملحة لتحديد معنى، ومضمون هذا المفهوم، وتحديد العلاقة بينه، وبين المفاهيم الأخرى التي قد يظنها البعض مرادفة له.
معنى كلمة تكنولوجيا في تكنولوجيا التعليم:
يرى (على محمد عبد المنعم ،2000،40) أنه من الثابت أن كلمة تكنولوجيا Technology كلمة يونانية إغريقية الأصل، وهى تتكون من مقطعين الأول ” تكنو Techno ” وهى بادئة بمعنى حرفة أو صنعة، والثاني ” لوجى Logy ” وهو لاحقة بمعنى علم، والكلمة بمقطعيها تشير إلى علم الحرفة أو الصنعة.
ويشتق المقطع الأول من كلمة Technique، وهى كلمة إنجليزية الأصل تعنى التقنية أو الأداء التطبيقي [1].
وإذا ما وضعنا المقطع الثاني في الاعتبار فإن كلمة تكنولوجيا فى هذه الحالة تشير إلى علم التطبيق، وهو العلم الذى يهتم بحرفة أو صنعة تطبيق النظريات ونتائج البحوث التى نتوصل إليها فى مجالات العلوم المختلفة وبكيفية تنظيمها وترتيبها بما يسمح بالإفادة منها لتطوير الأداء فى المواقف العملية وزيادة فاعلية وكفاءة هذه المواقف.
وهناك تعريفات كثيرة للتكنولوجيا منها:
التكنولوجيا هي عملية شاملة؛ تقوم على تطبيق هيكل من العلوم والمعرفة المنظمة واستخدام موارد بشرية وغير بشرية بأسلوب النظم/ المنظومات لتحقق أغراض ذات قيمة عملية فى المجتمع (عبد اللطيف الجزار،1998،112 ) [2].
التكنولوجيا : هي سلسلة من التفاعلات والنشاطات البشرية المتضمنة للمعارف والمهارات المؤدية إلى عملية إنتاجية وحل لمشكلات الإنسان ولتحقيق متطلباته وإشباع لحاجاته، كما أنها قابلة للتعلم والنقل والاستيعاب من مكان إلى مكان آخر ومن دولة منتجة إلى دولة أخرى تحتاجها (مندور عبد السلام،2000،22 ) [3].
ومن الملاحظ أن هناك خلطاً بين مفهوم التكنولوجيا وبين منجزاتها ومنتجاتها في تكنولوجيا التعليم، فلقد ارتبط معنى التكنولوجيا عن طريق الخطأ لدى البعض بالأجهزة والأدوات التي ظهرت في القرن العشرين، ولذا فإن معنى التكنولوجيا لديهم ينصب على الأدوات الحديثة من أصغر الأدوات الشخصية والمنزلية إلى أكبر معدات البناء والتنقيب عن المعادن وأمثلتها فقط.
والخطأ هنا يكمن فى النظرة الضيقة للتكنولوجيا بحيث اقتصر معناها على الأجهزة مع إغفال المعارف التى يمكن الإفادة منها وكيفية تطبيقها، ومن الملاحظ أيضا أنه كثيرا ما تستخدم كلمة تقنية كمرادف لكلمة تكنولوجيا كما تستخدم جمع كلمة تقنيات كمرادف لجمع كلمة تكنولوجيا.
ويعد هذا من مؤشرات وأعراض صعوبات عملية الترجمة، وعلى ذلك فالتقنيات تشير إلى أساليب التطبيق وفنياته، والتكنولوجيا تشير إلى المعارف سواء كانت نظريات أم نتائج بحوث فى مجالات العلوم المختلفة (على محمد عبد المنعم،2000-41).
وقد نقل (مندور عبد السلام عن Right 1994) تحديده أيضا لثلاث رؤى خاطئة لمفهوم التكنولوجيا لدى الكثير من الناس، وهى:
أن المقصود بالتكنولوجيا هو الكمبيوتر والإنسان الآلي أو أي اختراع آخر، أي أنهم يدركون أن التكنولوجيا هى المخترعات فقط، ولكن هذا الفهم الخطأ قد ترتب عليه مشكلات عديدة منها تكوين مفاهيم خاطئة أخرى مثل أن التكنولوجيا سوف تؤدى إلى تلوث الهواء والماء.
يقصد بالتكنولوجيا نظم الإنتاج فى مجتمع معين.
يقصد بها قدر معلومات الفرد ومهاراته لإنجاز عمل معين.
وقد انعكست هذه الرؤى الخاطئة لمفهوم التكنولوجيا أيضا على المجال التعليمي حيث يرى (عبد الحافظ محمد سلامة،1992،12) أنه على الرغم من أن مفهوم التكنولوجيا قد ارتبط بالصناعات لمدة تزيد عن القرن والنصف قبل أن يدخل المفهوم عالم التربية والتعليم، وما أن دخلت التكنولوجيا مجال التربية والتعليم حتى ارتبطت بمفهوم استخدام الآلات والأدوات فى التعليم.
وهنا نرى اقتصار المفهوم على الأجهزة والآلات فقط مع إغفال الجزء المهم لمفهوم التكنولوجيا وهو اعتمادها على تطبيق النظريات ونتائج البحوث التي يتم التوصل إليها في المجالات الأخرى ومنها التربية الخاصة مثلا والاستفادة منها في المجال التعليمي.
وفى ضوء ما سبق يمكن تعريف التكنولوجيا بأنها:
“طريقة منهجية تهتم بتطبيق النظريات ونتائج البحوث التى يتم التوصل إليها فى المجالات المختلفة ومحاولة الاستفادة منها بغرض تحقيق أهداف الإنسان ومتطلباته وذلك وفق منهج النظم “.
جذور مفهوم تكنولوجيا التعليم وتطوره التاريخي:
مفهوم تكنولوجيا التعليم كغيره من المفاهيم العلمية التي مرت في تطورها بمراحل عديدة ومن المراحل التى مر بها هذا المفهوم:
مرحلة التعليم البصرى (المرئي) Visual Instruction Stage
تكنولوجيا التعليم
مرحلة التعليم البصرى (المرئي) Visual Instruction Stage
يؤكد (ناجح محمد حسن،1997) على أن أول اصطلاح استخدم في هذا المجال كان يدور حول التعليم القائم على حاسة البصر Visual Instruction ومع تطور العلوم والمعارف بدأت أهمية الحواس الأخرى غير العين تتضح في التعليم وخاصة حاسة السمع.
كذلك ينقل ( زاهر أحمد،1996 عن Finn ،1967 ) أن بداية العشرينات من القرن الماضي قد شهدت بداية تكنولوجيا التعليم والمظاهر والشكل المادى كان مرتبطا بالتعليم المرئى حيث كان مفهومه استخدام أشياء مرئية فى التعليم حتى يتم تحويل المفاهيم التى يتعلمها الفرد من مجرد رموز Abstract إلى أشياء ملموسة محسوسة Concrete .
والوسيلة البصرية ضمن مكونات تكنولوجيا التعليم وهى أي صورة أو نموذج أو شيء حقيقى أو أجهزة تقدم للمتعلم خبرات بصرية واقعية بغرض :
تعريف وتكوين وإثراء وتوضيح مفاهيم مجردة.
تكوين اتجاهات مرغوبة.
إثارة نشاطات أخرى لدى المتعلم.
ومن نقاط ضعف هذه المرحلة أنها ركزت على المواد وحدها دون التركيز على التصميم والإنتاج والتطوير والتقويم وإدارة المواد ، وكذلك أن المواد البصرية نظر إليها كمعين بالنسبة للقارئ أكثر من أنها تقدم له أنماطا تعليمية بنفسها (مصطفى حسن،1991،53-54).
مرحلة التعليم السمعى البصرى في تكنولوجيا التعليم Audio – Visual Instruction Stage
أدى اكتشاف عملية تسجيل الصوت وظهور الصور المتحركة الناطقة إلى ظهور هذه المرحلة من مراحل تطور تكنولوجيا التعليم، حيث استبدل مجال التعليم البصرى بمجال التعليم السمعى البصرى وكان ذلك فى الأربعينيات من القرن العشرين وخاصة في مجال التربية الخاصة (مصطفى حسن،1991،53-54).
وقد أضاف إدخال الصوت كعنصر أساسي فى العملية التعليمية بعض التقدم للعملية التعليمية حيث حافظ على استمرارية التعلم باللمس والحس وكذلك التعلم بالرمز (زاهر أحمد،1996،28).
وقد أعطى مفهوم التعليم السمعى البصرى اهتماما كبيرا للمواد أكثر من اهتمامه بعملية تطوير المواد وأخذ ينظر للمواد السمعية والبصرية على أنها معينات تدريس للمعلم ( مصطفى حسن،1991،54).
وهناك العديد من المصطلحات التى ظهرت فى هذه المرحلة، منها: الوسائل المعينة على الإدراك – التعليم الإدراكى – المعينات الادراكية (هنداوى محمد حافظ،1981).
مرحلة ظهور مفهوم الاتصال Communication Concept Stage
لقد كان لإدخال مفهوم الاتصال فى مجال تكنولوجيا التعليم دور كبير فى إبراز وإيضاح المفهوم النظرى لتكنولوجيا التعليم حيث أصبح التركيز على عملية نقل المعلومات من المصدر(Source ) المعلم أو أي وسيلة أخرى إلى المستقبل(Receiver ) المتعلم وكان لنماذج الاتصال التي اكتشفت الفضل فى تحديد عناصر الاتصال والعلاقة بين هذه العناصر.
وبينما نجد العديد من نماذج الاتصال ظهرت إلا أن النموذج الذى عرفه وحدده Berlo عام 1960 هو أبسطها وأكثرها شيوعا واستخداما فى مجال تكنولوجيا التعليم، وهو النموذج المعروف باسم S –M – C – R حيث يرمز إلى Source – Message – Channel – Receiver أو المصدر – الرسالة – قناة الاتصال – المستقبل
مرحلة تأثير العلوم السلوكية Behavioral Science Stage
لعل أهم وأول إسهامات العلوم السلوكية أو علم النفس فى مجال تكنولوجيا التعليم هو ما يسمى بالتعليم المبرمج ، حيث أسهمت حركة التعليم المبرمج التى ظهرت فى الستينات من القرن الماضى إسهاما كبيرا فى ظهور مفهوم تكنولوجيا التعليم والمعروف أن هذه الحركة ظهرت نتيجة لاهتمام عالم النفس المشهورSkinner بتطبيق نتائج بحوثه فى مجال التعليم الإنساني.