التحيات و الترحيبات للسادة القراء من كل مكان،أما بعد: نقدم لكم اليوم مقالاً يدور حديثه حول العلل الأولى و السر الكامن في الأمور المتعلقة بما وراء الطبيعة،حديثنا اليوم سيبحث و يناقش فكرة ربما لا تغيب عن وعي كل إنسان يجري تفكيراً يومياً في الأمور البسيطة من حوله،ربما حدثاً عابراً يمر علينا كل يوم و كل ساعة،لكن عندما ننظر إليه نظرة ميتافيزيقية نجده أمراً في غاية العمق و النظر،فلا أحد يخلو من لحظات تفكير عن المصير و البداية و الكون و النشأة و المجيء إلى العالم و الأمور التي تبحث في الوجود و الكون،الأسئلة التي تراود الأذهان في ساعات الصفاء،و أهمها سؤال:ماذا قبل و ماذا بعد؟،لذلك أردنا أن نوضح لكم أيها القراء الأعزاء أن هذه الاسئلة الوجودية هي علم و جزء أساسي في الفلسفة منذ اليونان و إلى الآن،فهو علم له تاريخ طويل،و من خلال هذا المقال الذي سيدور حول “الميتافيزيقا و ماوراء الطبيعة”،سوف نقدم للسادة القراء معلومات وافية و متنوعة بعض الشيء عن هذا العلم وأهميته و نقف معهم عند نقطة أخرى تتعلق بتوضيح رؤية فلاسفة الإسلام لعلم الميتافيزيقا و بيان أهميته عند الكندي،و الفارابي،و ابن سينا،و نرجو من الله السداد و التوفيق.

 

 

banner

الميتافيزيقا و ما وراء الطبيعة:

 

إن الميتافيزيقا ظلت لسنين طويلة بمثابة العمود الفقري للفلسفة،فقد كان أرسطو يطلق عليها الفلسفة الأولى و يعتبرها أشرف العلوم و أوثقها،و هذه الكلمة مركبة من شِقين الشق الأول “meta” و هي تعني “ما بعد أو ما وراء”،و الشق الثاني “physics” , وهي تعني “علم الطبيعة”،فيكون المعنى الكلي لكلمة “الميتافيزيقا” هو “ما وراء الطبيعة”،وهو علم يبحث في الظواهر الغير محسوسة و في الوجود بصفة عامة و كلية ويهتم بملحقات الوجود كالبحث في الروح و النفس و الزمان و المكان،إلخ إلخ..

 

فهو علم منظم و منسق يبحث بطريقة منظمة عن العلل الأولى و الحقائق الكونية،و هو ليس مختص بجزء معين من العلوم بل تَطور و أصبح يمكن تطبيقه على جميع العلوم،فيمكن تطبيقه على علم الرياضيات و البحث عن السبب و العلة الأولى التي مكنت أول مفكر من الوصول لمعنى العدد،و ما هي الدوافع الفكرية التي مكنته من الوصول لهذا الفكر وغيرها من تلك الأمور و الأفكار الميتافيزيقية التي يمكن تطبيقها على كل العلوم،و الميتافيزيقا ليست بعيدة المنال ولا صعبة على الأذهان،بل نجدها أمامنا في كل أمور حياتنا،فهي تختص بالمواضيع البسيطة لكن تنظر إليها نظرة عميقة،فمثلاً جميعنا يعلم الوقت و الساعة،لكن عندما يسألك أحداً ما،ما هي ماهية الزمان؟،سوف تشعر حينها بمدى عمق السؤال،و سوف تجد أنك في حاجة ماسة إلى البحث و القراءة والدراسة،و عند البحث ستجد أن مئات العلماء قد أفنوا حياتهم بحثاً عن إجابة هذا السؤال،ألا و هو ما هي حقيقة وماهية الزمان؟،و هكذا البحث عن ماهية الروح والعقل و المكان و الوجود و العلل الأولى وغيرها من تلك المواضيع التي تكون في حاجة إلى عمق و نظر و تأمل وتفكير،و هذا هو علم الميتافيزيقا.

 

فالميتافيزيقا علم يبحث في الوجود كله ويمكن أن نعتبره مثل علم المنطق الذي هو عبارة عن قواعد يمكن تطبيقها على جميع العلوم بغض النظر عن الموضوع الذي يبحث فيه،لذلك نجد مؤخراً قد ظهر فريقين للميتافيزيقا،فريق ينظر إليها نظرة تأملية بالبحث عن الحقائق الكونية و العلل الأولى،وفريق ينظر إليها نظرة نقدية بإعتبارها يمكن تطبيقها على أي علم من العلوم فيقال ميتافيزيقا الرياضيات و غيرها من هذه العلوم،و أياً كان الأمر فهو علم منظم و منسق يوضح و يفسر لنا جميع الأفكار الوجودية و المعاني الكلية.

 

و بعد أن أوضحنا لكم ما هو علم الميتافيزيقا و ما وراء الطبيعة،نذهب الآن لنوضح مدى إهتمام فلاسفة الإسلام بهذا العلم و بيان نظرتهم و رؤيتهم لعلم الميتافزيقا.

 

 

الميتافيزيقا عند فلاسفة الإسلام:

 

إن الميتافيزيقا كما قولنا من قبل لها تاريخ طويل،منذ أرسطو و اليونان مروراً بفلاسفة الإسلام و العصور الوسطى و الفلسفة الحديثة والمعاصرة،و لقد كان أرسطو يعتبرها “الفلسفة الأولى” لشدة اهتمامه بها،و الآن نورد الحقبة الزمنية الخاصة بفلاسفة الإسلام بداية من “الكندي”:

الميتافيزيقا عند الكندي:لقد كان الكندي من أشد المهتمين بعلم الميتافيزيقا،و ذلك لأنه كان يرى أنه علم يهتم بالبحث عن العلة الأولى للكون و المبدأ الأول و الوجود الأول،و إن البحث عن العلة الأولى يعد من أشرف العلوم و أكملها،و الفيلسوف الحقيقي في نظره لا يكون فيلسوفاً إلا بالبحث عن العلل الأولى و الوصول للحكمة العليا.

الميتافيزيقا عند الفارابي:لقد توصل الفارابي إلى ما قال به الكندي و هو الأهمية الشديدة لعلم الميتافيزيقا،و البحث عن العلة الأولى للكون و هي عند الفارابي “واجب الوجود” الذي أخرج جميع الممكنات من ظلام العدم إلى نور الوجود.

الميتافيزيقا عند ابن سينا:يسير ابن سينا على نفس الدرب فيقول بأهمية علم الميتافيزيقا،و أنها الفلسفة الأولى التي تدور حول الموجود الأول المطلق الكامل الواجب الوجود بذاته الخير المحض و الكمال الأسمى ،فهو علم يبحث في أشرف الموضوعات،لذلك يعد أشرف العلوم و أجملها و أكملها.

 

و لو أننا لاحظنا هنا نجد إتفاق تام بين فلاسفة الإسلام على مدى أهمية الميتافيزيقا و كونها الفلسفة الأولى و أشرف العلوم و أكملها و أن الفيلسوف لا يكون فيلسوفاً حقاً إلا بالبحث و الدراسة في هذا العلم.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG