قد ظهر تأثير التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال في مجالات عديدة منها التعليم عن بعد والطب عن بعد، فكان لتكنولوجيا المعلومات واستخداماتها الطبية وافر الأهمية. لكن الأسئلة المطروحة: هل هذا التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال سيؤدي إلى توسيع الفجوة المعرفية بين الدول الغنية والدول الفقيرة؟ أم أنه سيؤدي إلى استفادة الدول النامية من هذا التطور في اللحاق بالتقدم الذي وصلت إليه الدول الغنية؟ وفي هذا الموضوع نستعرض أهم المجالات الطبية التي استفادت من التطور الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، ومنها: التطبيب عن بعد عند الحديث عن تكنولوجيا المعلومات واستخداماتها الطبية، نجد أن الطب تطور عن بعد مع بداية الثمانينيات من هذا القرن، وكان الهدف الأساسي منه هو تقديم خدمات طبية في المناطق الريفية، موازية لتلك التي تقدم في المدن الكبيرة والعواصم، حيث كان الهدف هو تقليل نفقات انتقال المريض والتواصل بين المريض والطبيب بما يوفر أكبر قدر من الراحة للمريض الذي قد يعاني من متاعب السفر إلى المدن الكبيرة والانتقال لمسافات بعيدة بما يضر بصحته. والطب عن بعد يستخدم كذلك بشكل أساسي في “المؤتمرات الطبية المرئية عن بعد”، والتي تسمح بالاتصال المباشر بالصوت والصورة للعديد من الأشخاص في العديد من المناطق المختلفة، حيث ينقل فعاليات المؤتمر عبر شبكة الاتصال إلى كل الراغبين في المشاركة. وقد كان لاستخدام الطب عن بعد العديد من الآثار الإيجابية في مجالات طبية كثيرة لعل من أبرزها: * علم الأمراض: حيث إن استخدام المجاهر المرئية عبر شبكات الاتصال العالمية يُمكِّن من نقل صور تفصيلية للقطاعات النسيجية والتي تجعل تشخيص الأمراض أسهل وأكثر فاعلية، وخاصةً في المستشفيات الصغيرة التي لا تتمتع بالإمكانيات التي تؤهلها للكشف الدقيق عن خبايا بعض الأمراض مما يسهل تشخيصها ومن ثم علاجها بالعلاج الجراحي المناسب. * الأنف والأذن والحنجرة: حيث يتم إرسال صور المناظير مباشرة ليتم تشخيصها من قبل المتخصصين. * الاستشارات الطبية عن بعد: حيث يستخدم الطب عن بُعد بصورة كبيرة في مجال الاستشارات الطبية وخاصة بالنسبة للمستشفيات الصغيرة والعيادات، حيث يتم إرسال الأشعة الخاصة بالمريض عبر شبكات الاتصال وعبر أجهزة مخصصة لذلك، يتم تلقي صور الأشعة عليها وإرسال التشخيص الدقيق للحالة إلى المرسل. * علم الأمراض الجلدية: يُحضِّر المرضى أطباءهم في “أستوديو” الاجتماعات المرئية عن بعد، بحيث يكونون على اتصال بالطبيب الجلدي بالمركز المتخصص، ويتم مناقشة المريض في الوقت نفسه حتى يتم الوصول إلى تشخيص، ومن ثَم وصف العلاج المناسب. * الأمراض المزمنة: حيث يمكن أن يتابع المريض حالته بشكل دوري مع طبيب مختص، فمثلاً بالنسبة لمريض السكر وهو من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا يستطيع المريض أن يبعث بتقرير دوري عن حالته ومستوى ارتفاع السكر أو انخفاضه من محل إقامته بحيث يتلقى التعليمات اللازمة من الطبيب بشكل دوري أيضًا. * أمراض القلب: حيث يقوم الممارس عن بُعد، بنقل رسم القلب في صورة مرئية تسمح بتشخيص الحالات الحرجة بصفة خاصة. المؤتمرات وتسويق الخدمات الطبية والطب عن بُعد لا يقتصر فقط على التشخيص عن بعد، بل يتيح أيضًا متابعة التطور في العلوم الطبية من خلال المناقشات والعروض التي تتم عبر “المؤتمرات المرئية الطبيبة عن بُعد”. واليوم الطب عن بُعد يتطور نحو العالمية، حيث نجد أن العديد من المستشفيات بدأت تشترك في مشاريع عالمية تهدف لتسويق الخدمات الطبية التي يقدمونها عن بُعد، ومن أمثلة ذلك: * مركز مايو الطبي الأمريكي الذي يستفيد من خدماته 400 ألف مريض سنويًا، منهم 12 ألف مريض أجنبي ينتمون إلى مناطق الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وأوروبا ويمثلون 12% من دخل المركز، وقد قام الملك حسين بالتحرك من أجل ربط المركز باثنتين من المستشفيات الأردنية بما يتيح للأطباء تبادل الرأي حول الحالات الطبية المعقدة، كما تمَّ تكوين شبكة مماثلة في السعودية. * إقامة شبكة اتصال بين بعض المستشفيات الشيلية وجامعة UCLA بلوس أنجلوس، وتضمن تقديم تشخيص الإشاعات عن بُعد. * وضع مركز “كليفلاند” الطبي برنامجًا مع دولة “الإكوادور”؛ للربط المتبادل مع المستشفيات هناك، حيث يقوم أطباء المركز بمعاينة حالات الأمراض الاستوائية وتشخيصها ووصف العلاج اللازم. المحاسبة عن بُعد: يعكس نظام الدفع عن بًعد الأهمية المتزايدة لعلوم الكمبيوتر في تطوير النظم الصحية. ويعد المشروع الأمريكي الخاص “هيلثيون” Healtheon نموذجًا جيدًا في هذا المجال، والقائم عليه هو “جيم كلارك” الذي أنشأ شبكة Netscape في عام 1995، حيث انطلق هذا المشروع من فكرة أن العديد من المصادر الطبية تُستخدم بشكل سيئ، حيث إن بعض المؤسسات الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تتعدى المصاريف السنوية لها 276 مليار دولار، بل إن الميزانية العامة الخاصة بالصحة تقرب من ألف مليار دولار سنويًا، ويمكن من خلال شبكة الإنترنت أن تقل كل هذه التكاليف الباهظة، من خلال عمل خطة موحدة لجميع المؤسسات الطبية في أمريكا تستند جميعها إلى تكنولوجيا الاتصال الحديثة عبر شبكة الإنترنت. وتوجد اليوم تطبيقات عديدة لنظام الـ “Telematics” في مجال الصحة منها: الكروت الطبية وشبكات المعلومات الصحية: أو الـ “Chip Cards”، ومن أمثلتها اللامعة كارت “كارلا” الطبي الذي أطلقته شركة “بروكسي ميد” الأمريكية، ويحتوي على جميع المعلومات الطبية الخاصة بحامله، ويمكن أن يقرأ من كل الأجهزة التي تحتوي على “قارئ” للكارت، وفيه كود أو شفرة تسمح للطبيب بقراءة تلك المعلومات الطبية ومتابعتها يوميًا، وقد أقامت فرنسا شبكة معلومات صحية اجتماعية عام 1996، ومشروع يشبه مشروع الهيلثيون الأمريكي، وكذلك إصدار كارت يشبه كارت “كارلا” يسمى الكارت الحيوي يحتوي على المعلومات المرتبطة بطب الطوارئ، أما الشبكة البريطانية للمعلومات الصحية والتي أنشئت عام 1993 فتتيح نقلاً مرئياً لأوراق صرف التأمين الصحي، كما تتيح الاتصال بين الأطباء، والدخول على شبكات استعلامية، وكذلك حجز المواعيد عند المتخصصين. وفي الولايات المتحدة الأمريكية نجد أن الطبيب بـ 25 دولارًا شهريًا يستطيع الحصول على معلومات طبية بشكل دوري من خلال الإنترنت ويقوم بإرسال خطابات إلكترونية؛ للتعرف على الحقوق الاجتماعية المكفولة للمرضى، بل يستطيع أن يحصل على التحليلات والنتائج المعملية وأيضًا أن يحصل أوتوماتيكيًا على نتائج التحاليل مباشرة من المعامل، ويمكن الحصول على صور أشعات مرقمة، وتقارير من المستشفيات، وأيضًا شراء معدات وأدوية. مواقع الخدمات الصحية عندما نتطرق لتكنولوجيا المعلومات واستخداماتها الطبية، يجب أن نقول أن هذا التطور التكنولوجي أتاح للمرضى الاستفادة به، حيث يستطيع المريض الاتصال بأي طبيب في أي مكان في العالم من موطنه الموجود به، فالمريض الذي لا يشعر بالارتياح لأسباب نفسية أو اجتماعية بالراحة لمصارحة طبيبه عن حالته الحقيقية يستطيع أن يصارح طبيبًا لا يعرفه في أي دولة أخرى عن حالته من خلال شبكة الإنترنت، وكذلك المرضى غير الراضين عن نظام علاجهم، ويقدرون بمليون ونصف في إنجلترا. وهذا “الاختيار التكنولوجي الثاني” ينتشر بسرعة كبيرة في أمريكا، بل إن موقع Mediconsult يعطي للمرضى إمكانية عرض حالتهم بكل الوثائق الطبية من تقارير طبية أو أشعات على متخصصين أمريكيين، بينما تتيح مواقع أخرى للمرضى التواصل مع بعضهم عبر غرف الحوار للحديث حول مشاكلهم الصحية، وقد دخل أكثر من 17 مليون أمريكي على مواقع طبية عبر الإنترنت عام 1998، حيث يوجد أكثر من 15 ألف موقع طبي تم إنشاؤها في العالم، وتُقدِّم هذه المواقع الخدمات المتنوعة. ويرفع البريد الإلكتروني بعض التحفظات من بين الأطباء والمرضى، غير أن هذا النوع من الاتصال لا يُطبَّق في الحالات الحرجة، ويكون مفيدًا في متابعة حالة المريض، والإجابة عن أسئلتهم، وإعطائهم النصائح، وتنظيم مواعيد الزيارات. ولقد استفاد الكثيرون من هذا النوع الإلكتروني عبر شبكات الاتصال في مجال الطب حيث بدءوا في إنشاء شركات تهتم بهذا المجال، بل إن بعض الصيدليات أقامت لها مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت، توزع من خلالها الأنواع المختلفة من الأدوية المتاحة وتقوم بالإعلان عن أهم منتجاتها. ويقول “جيم كلارك”: إنه بالرغم من هذا التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصال فإن العالم ما زال لا يستفيد بل ويقاوم تبني هذه التكنولوجيا الجديدة في مجال الطب بشكل خاص، ويفسر كلارك هذه الظاهرة قائلاً: يرجع ذلك إلى الانقسام الشديد في الوسط الطبي. تخوفات وتساؤلات وفي إطار الحديث عن تكنولوجيا المعلومات واستخداماتها الطبية، أبدى بعض الأطباء تخوفهم من أن تنحصر الاستفادة بهذه التكنولوجيا الجديدة في الطب في فئات معينة وهي الفئات الغنية التي تمتلك القدرة على شراء الوسائل التكنولوجية الحديثة؛ مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين من يملك ومن لا يملك القدرة على شراء الوسائل التكنولوجية الحديثة. والسؤال هنا في مجال الاتصال الطبي عن بُعد، يشمل الثقة في صحة التشخيص الطبي عن بعد وأيضًا السعر المدفوع لإجراء مثل هذه اللقاءات الطبية بين المريض أو الطبيب الإلكتروني، وطبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض عبر الوسائل التكنولوجية؟!.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG