هناك العديد ممن كتبوا في مجال تكنولوجيا التعليم وقد حددوا هذا المجال في الأجهزة والمعدات مثل التلفاز والراديو والأقراص الليزرية وأجهزة التسجيل وأجهزة العرض المختلفة إضافة إلى الحاسب والإنترنت وغير ذلك من الأجهزة والمعدات التي من شأنها تعزيز عمليتي التعليم والتعلم. إلا أنه يجب أن نأخذ بعين الحسبان أن تكنولوجيا التعليم لا تقتصر على مثل هذه الأجهزة والأدوات. وعلينا أن نتجنب هذا اللبس المتعلق في فهم تكنولوجيا التعليم. فالأجهزة والأدوات آنفة الذكر ما هي إلا مكونات وعناصر تدخل في مكونات تكنولوجيا التعليم وبالتالي هناك مكونات أخرى يحتويها هذا المجال. فنظريات التعلم والتصميم التعليمي التي تشكل الاطر النظرية للبحث والمعرفة التي تعتمد على الإجراءات المنظمة والتي من شأنها المساعدة في الجهود التي تبذل من أجل جعل عمليتي التعليم والتعلم أكثر فاعلية من ضمن هذه المكونات. أضف إلى ذلك الأفراد القائمين على عملية التعليم من معلمين وإداريين وفنيين وغيرهم هم أيضا جزء من مكونات تكنولوجيا التعليم ناهيك عن التسهيلات المادية وغيرها.
لقد قام العديد من المهتمين في مجال تكنولوجيا التعليم بتعريف هذا النوع من التكنولوجيا إلا أن تعريفاتهم كان ينتابها نوع من التباين والاختلاف وذلك لعدة أسباب من بينها ما يلي:
- وجود العديد من المصطلحات المستخدمه في هذا المجال ومن أهمها: تكنولوجيا التعليمEducational Technology، تكنولوجيا التدريس Instructional Technology ، تكنولوجيا التربية Technology Education ، التكنولوجيا في التعليم Technology inEducational وقد شكلت هذه المصطلحات عائقا لصياغة تعريف محدد لتكنولوجيا التعليم حيث أن كل مصطلح منها له مدلوله أو ربما مدلولاته لدى المتخصصين في هذا المجال والتي تظهر في الأدبيات المتعلقة.
- التطورات المتسارعة في هذا المجال سواء كانت فيما يتعلق بالتكنولوجيا نفسها وخاصة تكنولوجيا الحاسب أو ما يتعلق بتطور نظريات التعلم وظهور نظريات جديدة والتأثير المتبادل بين هذه التكنولوجيا و النظريات .
ولكي نخدم الهدف المنشود لهذا الكتاب سنقوم أولا بتحديد المقصود بكل من تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا التدريس ومن ثم عرض بعض التعريفات المتعلقة بتكنولوجيا التعليم باختصار وأخيرا سنقدم للتكنولوجيا التي تخدم عمليتي التعليم والتعلم والتي هي في الأساس المحور الرئيس لهذا الكتاب.
تكنولوجيا التعليم وتكنولوجيا التدريس
عند النظر إلى هذين المصطلحين نجد أن هناك قاسما مشتركا في تسمية كل منهما وهو كلمة تكنولوجيا التي تم عرضها سابقا وهناك استخدام لكلمتين مختلفتين لهما والكلمتين هما تعليم وتدريس، فهل هناك فرق بين هاتين الكلمتين أم أن لهما نفس المعني؟
لابد من الإعتراف بأن هناك خلط في تعريف المصطلحين وفي كثير من الأحيان يتم استخدامهما دون أن يتم تحديد الفرق بينهما أو يكون لكل مستخدم مفهومه الخاص بكل مصطلح. وهنا يجب أن نوضح أن تكنولوجيا التدريس هي كل ما يستخدمه المدرس في عمله من أجهزة وأدوات ومواد. بينما تكنولوجيا التعليم فتجمع عمليات التعليم والتعلم والتطوير والإدارة إضافة إلى الأجهزة والمعدات والمواد التي تسهم في عمليتي التعليم والتعلم وكذلك الأفراد القائمين على العمليتين كما أسلفنا. فالتصميم التعليمي وتخطيط التدريس يعتبران الأصل في تكنولوجيا التعليم . وكما يجمع العديد من التربويين فإن التصميم التعليمي يحاول الإجابة على تساؤلات ثلاث هي:
- أين نحن ذاهبون؟
- كيف سنصل؟
- وكيف نعرف أننا وصلنا؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات تساعدنا في فهم عملية التصميم التعليمي وبالتالي التصميم نفسه. وتتلخص هذه المراحل في خمسة مراحل وتعرف إختصارا بأديي (ADDIE) . حيث تساعد في فهم المشكلة من خلال عملية التحليل Analyze والتي تمثل المرحلة الأولى وتصميم الحل Design كمرحلة ثانية وتطوير هذا التصميمDevelopment كمرحلة ثالثة وتنفيذة Implement ومن ثم تقييمة Evaluation للمرحلتين الرابعة والخامسة.
أن التكنولوجيا المستخدمه في عملية التعليم (تكنولوجيا التدريس) هي جزء من تكنولوجيا التعليم وبالتالي فإن أجهزة كأجهزة الإسقاط الضوئي والأجهزة السمعية والسمعبصرية والحاسب هي أجهزة تكنولوجية تستخدم في هذه العملية . وهنا يحدث الإلتباس في مفهوم تكنولوجيا التعليم. فكلمة تكنولوجيا لها معنيين الأول الإجراء التكنولوجي للتصميم التعليمي والثاني مجموع الأجهزة والمعدات التي تستعمل في عمليتي التعليم والتعلم. من هنا نجد أنه من الضروري التفريق بين عملية التصميم والأجهزة المستخدمة في عمليتي التعليم والتعلم. فمن ضمن عمل المصمم اختيار أنسب الطرق لعمليتي التعليم والتعلم والتي تشمل الأجهزة والمعدات التي يجب أن تستخدم من خلال ما تحتمه متطلبات المواقف التعليمية. لذلك فإن تكنولوجيا التعليم لا تعني الوسائل التعليمية والأجهزة والبرمجيات وإنما تشمل أكثر من ذلك بكثير.
يعرف جاجن وبرنكز (1992) التدريس بأنه مجموعة من الأحداث الخارجية مرتّبة بعناية تم تصميمها لدعم عمليات التعلّم الداخلية ويشير روبلير وزملائه (1997) إلى وجوب تركيز تكنولوجيا التعليم على الإجراءات. من هنا نستخلص أن عملية التدريس منح التعلم بينما عملية التعليم فتشمل الأجراءات التي تمنح ذلك التعلم. إن التعلم قديد قدم الإنسان وخير شاهد على ذلك المحاولات الأولى التي قام بها الإنسان منذ القدم لنقل معارفه من جيل إلى جيل من خلا طرق عدة من ضمنها النحت على الصحور والرسومات وغيرها وبالتالي فكان هناك دور للتكنولوجيا. وهذا الدور يتمثل في الرسومات والصور على جدران الكهوف وغيرها.
ومن الجدير ذكره أن مصطلح تكنولوجيا التعليم لم يظهر في المراجع التربوية إلا في نهاية الستينات من القرن الماضي حيث بدأت الكتابات المتخصصة تتضمن المصطلحين. فقد أطلق هوج (1979) على تكنولوجيا التدريس بالعملية المنظمة وتكنولوجيا التعليم بعملية الدمج المنظم والتطويير والتقييم. ويستشهد الكاتب بتعريف اللجنة الرئاسية لتكنولوجيا التدريس (1970) التي تعرف هذه التكنولوجيا بأنها الطريقة المنظمة لتصميم وتنفيذ وتقييم مجمل عملية التعلم والتعليم فيما يتعلق بالأهداف المحددة والمعتمدة على البحث ….
أما ريسر وديمسي (2002) وفي مجمل استعراضهما لتكنولوجيا التعليم فيشيران إلى أن الغرض من هذه التكنولوجيا هو فهم الطريقة التي يتعلم بها الأفراد وكيفية تصميم أنظمة ومواد تعليمية لتسهيل عملية التعلم. وكذلك استخدام التكنولوجيا المناسبة للمساعدة في تصميم وتوصيل التعليم. ويخلصان القول إلى أن تكنولوجيا التعليم تمثل اليوم الحل للمشاكل المتعلقة في التعليم فهي تساعد في فهم المشاكل المتعلقة بالأداء وكذلك إيجاد تصميم الحلول لهذه المشاكل. فأحيانا يكون الحل يتعلق بعملية التدريس واحيانا أخرى يتعلق بأمور غير تدريسية.
أما تكنولوجيا التدريس والتي أصبح من المألوف تسميتها بـ ” تكنولوجيا التعليم” في بعض المصادر والمراجع العربية فتتمحور حول الأدوات والوسائل والوسائط التكنولوجية التي تستخدم في عمليتي التعليم والتعلم والتي من شأنها المساهمة في جعل العمليتين أكثر فاعلية من خلال تحقيق أهداف عملية التعلم. إن التكنولوجيا المستخدمة في التدريس يقتصر استخدامها على المعلم فقط أو يستخدمها المتعلم بإشراف هذا المعلم. فعندما يقوم المعلم باستخدام جهاز العرض العلوي لعرض بعض الشفافيات على متعلميه وكذلك عندما يقوم بعملية التعليم مستخدما مجسما فإن مثل هذه التكنولوجيا تقع ضمن تكنولوجيا التدريس. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل هناك تكنولوجيا يستخدمها المتعلم بمفرده دون ضرورة لوجود المعلم كليا أو جزئيا؟ بالتأكيد هناك العديد من أنواع التكنولوجيا التي يتعامل معها المتعلم في تعلّمه دون الحاجة لوجود المعلم بشكل مباشر. فعندما يستخدم المتعلم شريط تسجيل أو قاموس إلكتروني مثلا فهذه ليست تكنولوجيا تدريس وإنما تكنولوجيا تعلم. من هنا نجد أنه لا بد من استخدام مصطلح يشمل تكنولوجيا التعلّم وتكنولوجيا التدريس معا.
بناء على ما تقدم يمكننا استنتاج التعريف التالي لتكنولوجيا التعليم وكما يلي:
تكنولوجيا التعليم عبارة عن عملية متكاملة تشمل الأفراد والإجراءات والأفكار والأجهزة والمؤسسات لتحليل المشاكل التي تتعلق بعمليات التعلم والتعليم وتخطيط وتنفيذ وتقييم وإدارة الحلول لهذه المشاكل. تتمحور هذه الحلول حول مصادر التعلم التي يتم تصميمها أو اختيارها وتنفيذها لتحقيق التعلم الذي من شأنه إيصال المتعلم إلى الهدف أو الأهداف المتوخاة من عملية تعلمه.
أما بالنسبة للأدوات والوسائل والوسائط التكنولوجية التي تستخدم في عمليتي التعليم (التدريس) والتعلم معا ومن أجل الحد من الإلتباس القائم في المراجع والتي تارة ما تلجأ إلى تسميتها وسائل التعليم وتارة اخرى الوسائل السمعية/البصرية وثالثة وسائل الإيضاح واخرى تكنولوجيا التعليم وغيرها من التسميات فنقترح تسميتها تكنولوجيا