تتوسّع الشركة المصرية الناشئة المعنية بالرعاية الصحية، “فيزيتا” Vezeeta، إلى المشرق لتنضّم إلى سلسلة الشركات المصريّة التي قررت التوسّع خارج بلادها.
شهدت السنوات العشرة الماضية توسّع خمس شركات مصرية ناشئة إلى الخارج نحو بيئات ريادية جديدة، فيما تخطط أربع شركات إضافية للقيام بالمثل في الأشهر الستّة المقبلة.
غير أنّه من المعروف عن الشركات المصرية الناشئة في أوساط المستثمرين بأنّها نادراً ما تتوسّع خارج البلاد. ففي الفترة التي تلت أحداث 2011، نجحت 19 فقط من الشركات الناشئة في إثبات نجاحها خارج مصر.
من السهل ذكر بعض هذه الشركات – مثل “ياقوطة” Yaoota و”كراود أنالايزر” Crowd Analyzer و”إيفنتس” Eventtus و”إنستا باج” InstaBug و”إنتجريت” Integreight – لكنّ التصوّر السائد بأن قلّة من الشركات الناشئة نجحت في التوسّع خارج مصر هي الحجّة التي أعطاها مستثمرون إقليميون في حديثهم مع “ومضة” لتبرير عزوفهم عن الاستثمار في مصر. ولكن قد يحتاج هؤلاء إلى البحث عن حجّة أقوى.
التفكير على المستوى الإقليمي، أخيراً
يعود هذا الاندفاع نحو التوسّع ربما إلى أنّ روّاد الأعمال المصريين بدأوا يفكّرون على المستوى الإقليمي، بدلاً من المستوى المحلّي فقط.
ويقول عمر ساتي، مؤسس شركة الاستثمار المخاطر المتخذة من الأردن مقراً لها، “داش فينتشرز” DASH Ventures، إنّ “المصريين معتادون على السوق الكبيرة جدّاً في بلادهم، لهذا السبب لا يفكّرون في التوسّع إقليمياً، على ما أظنّ”. ويضيف أنّ “الشركات االمصريّة الناشئة مصريّة جداً بمعنى أنها محليّة وفريدة ومتعلّقة بشدّة بحل المشاكل الخاصة بالسوق المصرية بحيث يصعب على من هم خارج السوق المصرية فهمها”.
خلال العام الماضي، توسّعت العيادة النفسية على الإنترنت “شيزلونج” Shezlong، والمنصّة الرقمية “كيجامي” Kijamii، وبرنامج إشراك العملاء “برفورملي” Performly، من مصر إلى الإمارات. كما توسّعت شركة الخدمات اللوجستية في التجارة الإلكترونية، “إدفعلي” Edfa3ly، إلى الكويت. وبدأت الشركة الناشئة في إنترنت الأشياء في المجال الصناعي، “سبايم سنس لابز” Spimesense Labs اختبار منتجاتها في إيطاليا والمكسيك.
وستنضمّ إلى هذه الشركات في نيسان/أبريل، “موني فيلوز” Moneyfellows، الشركة الناشئة التي تساعد على ادخار الأموال والتي تنتظر الموافقة على دخولها “البيئة الاختبارية” في أبو ظبي؛ وتليها شركة المساعدة في الحياة اليومية “ايلفز” Elves.
الشركات تحبّ دبي
يفضّل غالبية روّاد الأعمال المصريين بالدرجة الأولى التوسّع إلى الإمارات، وتعدّ السعوديّة خيارهم الثاني، وفقاً لـ”مختبر ومضة للأبحاث”.
إلاّ أنّ تقرير “توجّهات وتحدّيات توسّع الشركات الناشئة” للعام 2015 كشف أنّ الرغبة في التوسّع كانت بالفعل أكبر من الإنجازات بحدّ ذاتها.
البلدان المفضّلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. (الصورة من “ومضة”)
وبعد سنتين من الآن ستبقى منطقة الخليج السوق المفضّلة للشركات الناشئة.
يبرر الرئيس التنفيذي لـ”موني فيلوز”، أحمد نبيل، اختياره للإمارات قائلاً: “كما هي لندن عاصمة التكنولوجيا المالية في أوروبا، كذلك هي الإمارات مركز التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط”. ويشرح أنّ “سوق الإمارات الواسعة [والمتنوّعة] تسمح لنا باختبار منتجاتنا”.
من جهته، يقول الرئيس التنفيذي لـ”إيلفز”، كريم الساهي، إنّ نصف عدد مستخدمي منصّتهم (15 إلى 20 ألف) هم في مصر، غير أنّ النصف الآخر منقسم بين ربع في الخليج وربع في الولايات المتحدة. أمّا “إدفعلي”، فأجبرت على إطلاق حملتها في بلدان مجلس التعاون الخليجي في تموز/يوليو من العام الماضي بسبب اضطراب الاقتصاد المصري الذي أثّر سلبيّاً على أرباحها.
يعتقد الرئيس التنفيذي لـ”كراود أناليزر”، أحمد سعد، بدوره أنّ الإمارات ببساطة سوق أفضل للاستهداف، شارحاً أنّ “لا أحد يتحمّس لترك بلده الأمّ والعمل في مكان آخر، غير أنّ دبي منفتحة جداً على الابتكارات… وعمليّة اتخاذ القرارات فيها سريعة”.
أمير برسوم. (الصورة لأمير برسوم)
الدخول إلى المشرق العربي
تسلك “فيزيتا” التي تأسست في العام 2012 مسلكاً مختلفاً، فهي تجد أنّ المشرق العربي والمغرب الذي يتحدّث اللغة الفرنسيّة في متناول يدها. لذلك يخطط رئيسها التنفيذي، أمير برسوم، للدخول إلى تونس والمغرب في حزيران/يونيو وإلى الخليج “ربما” في نهاية العام.
اتخذ القرار بشأن التوسّع إقليمياً في منتصف العام 2016، بعد إغلاق جولة تمويل ثانية بقيمة 5 ملايين دولار، ولكن اختيار البلدان ارتبط بإيجاد الشخص المناسب لقيادة التوسّع هناك. فرامي عدوان سوف يقود التوسّع إلى المشرق، ولكنّ لم يتخذ القرار بعد بشأن الفريق المغربي.
التوسّع مكلف
لا يعني عدم توسّع الشركات الناشئة المصرية إلى الخارج بالضرورة غياب الرغبة لديها للقيام بذلك، فالكثير منها تريد التوسّع – لكنّ العامل المالي أساسي في ذلك.
فعلى سبيل المثال، انطلقت شركة طلب السيارات “أسطى” Ousta في البيئة الريادية في آذار/مارس من العام الماضي، لكنّ نقص الاستثمارات أعاق مخططاتها للتوسّع السريع إلى السعودية وإلى أبعد منها.
يخبر الشريك المؤسس لهذه الشركة “ومضة” أنّ “’أسطى‘ حققت نتائج رائعة خلال أقلّ من سنة بجذب 300 ألف عميل و10 آلاف سائق، وتوسّعت إلى 14 مدينة مصريّة محققةً نمواً أسبوعيّاً بنسبة 30%”. ويضيف أنّه “بالرغم من ذلك، لم نتمكّن من تحويل نسبة النموّ هذه إلى نسبة مستدامة بسبب تردد المستثمرين للاستثمار في ’أسطى‘ ومنافسة ’كريم‘ و’أوبر‘. فتراجعنا في مصر ولم نتمكّن من التوسّع أكثر”.
و”أسطى” خير مثال على خطورة خطط التوسع التي تعتمد على التمويل.
بدورها تخطط الشركة الناشئة للتوصيل “بوسطة” Bosta، التي انطلقت بالكامل في كانون الثاني/يناير، للتوسّع إلى الإمارات والسعودية وتركيا في الوقت نفسه خلال الأشهر الستة المقبلة، شرط أنّ يستقر عملها في مصر وتحصل بالطبع على استثمار.
يشير الرئيس التنفيذي لـ”تقاليد” Taqalid، يوسف السمّعه، الذي يقود أيضاً موقع إعلان الوفيات “الوفيات” El Wafeyat وموقع جمع الأموال للجنازات “إين ميموري أوف” In Memory Of، إلى أنّهم يخططون للتوسّع إلى السعوديّة ولبنان والأردن في الأشهر الثلاثة إلى الستّة المقبلة شرط جمع التمويل أيضاً.
“الوفيات” هي شركة ناشئة عاملة وناجحة في مصر (الصورة من “اينجل ليست”)
الخبرة هي الأهمّ
على عكس “أسطى” و”بوسطة” اللتين تريدان الهيمنة على المنطقة في غضون أشهر من تأسيسها، “تقاليد” موجودة في السوق منذ بضع سنوات وتواجه منافسة قليلة في الأسواق التي تبحث التوسع إليها.
تعدّ السوق المصريّة أكبر مرتين من أقرب سوق إليها وهي جارتها السعوديّة. لذلك، فإن الهيمنة عليها تتطلب وقتاً طويلاً ووقتاً أطول للخروج منها. فعلى سبيل المثال، لم تهاجر “فيزيتا” و”ايفينتوس” خارج مصر إلاّ بعد أن بنت كلّ منها قاعدة عملاء صلبة لها في مصر.
يشرح الرئيس التنفيذي لـ”فيزيتا” أنّ الزيادة في الحجوزات بلغت 20% على أساس شهري فيما بلغ عدد المستخدمين 1.5 مليوناً. ورغم وجود منافسين كثر (مثل “دابادوك” Dabadoc في شمال أفريقيا، و”دكتورنا” Doctoruna في الإمارات، و”مدي” Meddy في قطر و”صحتك” SihaTech في السعودية، و”ألو طبيب” Allotabib في تونس)، يشرح برسوم أنّ هذه الشركات الناشئة ليست من الفئة نفسها لشركته.
تتوسّع الشركات من مصر وما من شركة تتوسّع إليها
إذا كان نقص الشركات الناشئة التي تتوسّع إلى مصر يزرع الشكّ والتردد لدى المستثمرين الأجانب، كذلك يخيفهم غموض مصر وعدم قدرتهم على معرفة ما يمكن توقّعه.
من الأردن، يقول ساتي إنّ “مصر لم تغرِهم يوماً بسبب ’فرادتها‘ ولأنّ المستثمرين المصريين لم يتواصلوا أبداً مع نظرائهم الإقليميين للتفاخر بالشركات المنضوية تحت محفظة شركاتهم أو لتسجيل أيّ نقطة ضدّ منافسيهم”. (اعترف أيضاً بأنه لم يبذل أيّ مجهود للذهاب إلى مصر).
يضيف ساتي أنّ “السوق المصرية فريدة من نوعها ولا نفهمها بالكامل، فلمصر خصوصية معيّنة وثقافة خاصة، وعليك فهم هذه الثقافة لكي تشعر بالارتياح إزاء الاستثمار في هذه السوق”.
تدلّ قاعدة بيانات “ومضة” حول الاستثمارات المعلن عنها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنّه منذ العام 2010، تلقّت 128 شركة مصريّة نوعاً من الاستثمار الرسمي في 161 جولة تمويل مستقلّة.
باستثناء الجولات التي كان فيها المستثمرون أفراداً أو لم يعلن عن مبلغ الاستثمار، تعدّ “فلات6لابز” Flat6labs أكبر المستثمرين في السوق المصريّة مستحوذة على ما يقارب ثلث مجموع الاستثمارات. قام بثلثي الاستثمارات التي تمّ الإعلان عنها مسرّعات أعمال (ومنها “فلات6لابز”) وصناديق استثمار ومؤسسات وهيئات مصريّة فقط، من دون أيّ تدخّل أجنبي بأيّ شكل من الأشكال.
منذ العام 2010 حتّى اليوم، شارك المستثمرون الإقليميون بحوالي 15% من الاستثمارات المعلن عنها، بحسب قاعدة بيانات “ومضة”.
في السنوات المقبلة، سنرى ما إذا كانت الموجة الأخيرة من الروّاد المصريين المتوسّعين إلى الخارج كافية لجذب المستثمرين الإقليميين لاستثمار أموالهم فيها. وعلينا أيضاً الانتظار لمعرفة ما إذا كنّا أمام قصة الشركة الناشئة المصرية المنتظرة التي ستنهض في الشرق الأوسط.