مصر
مصر تتوقع أرقاما قياسية في قطاع السياحة.. وخبراء يتحدثون عن التحديات
الحرة / خاص – واشنطن
24 يوليو 2023
نهر النيل هو شريان الحياة للمصريين
مصر تحقق رقماً قياسياً في عدد السياح خلال أول 6 أشهر من العام الجاري (أرشيفية-تعبيرية)
تعول مصر على عودة نشاط القطاع السياحي لتحسين الوضع الاقتصادي ومعالجة أزمة نقص الدولار، في وقت أعلنت فيه الحكومة عزمها على زيادة إيرادات السياحة إلى 30 مليار دولار سنويا بحلول عام 2028، أي أكثر من ضعف أعلى رقم حققته مصر في تاريخها.
لكن خطط الحكومة “الطموحة” لإنعاش السياحة وتوفير العملة الأجنبية، كما قال المتحدث باسم وزارة السياحة، أحمد يوسف، الأحد، لإحدى القنوات المصرية، تثير تساؤلات حول مدى جاهزية البنية التحتية اللازمة في البلاد لتحقيق هذه الغاية.
تضارب الواقع مع الأهداف
وقال مالك سلسلة فنادق سياحية في القاهرة، أحمد أبو شقرة، لموقع “الحرة” إن قطاع السياحة في مصر يتأثر بشكل كبير بالأوضاع الخارجية والمحلية، وفضلا عن التأثير السلبي للحرب الروسية-الأوكرانية، فإن ما ينتشر حاليا من أنباء عن تكرار انقطاع التيار الكهربائي، على سبيل المثال، يضر بشدة بخطط الحكومة ويتضارب مع أهدافها المعلنة.
وأضاف “نحن حاليا في وسط موسم سياحي مهم وأساسي ولدينا العديد من الحجوزات والأفواج السياحية، ومع ذلك، نتفاجأ بانقطاع التيار الكهربائي أكثر من مرة في اليوم بدون أن يتوفر لنا الوقت للاستعداد على الأقل، مثل شراء مولدات كهربائية وتركيبها”.
وتابع: “بجانب تضرر السياح من انقطاع الكهرباء، تتوقف خدمات الإنترنت وأجهزة الكومبيوتر عن العمل، وبالتالي يحدث ارتباك وأخطاء كبيرة في جميع الحجوزات، كما أن هذا الأمر يضر بالثلاجات وتخزين الطعام والمشروبات، وبالتالي نتكبد خسائر كبيرة”.
وقال أبو شقرة: “كيف تتوقع الحكومة تحقيق طفرة سياحية وفي الوقت نفسه تعلن قطع التيار الكهربائي في مختلف أنحاء الجمهورية بدون تحديد جدول زمني أو توقيتات محددة”.
وأضاف أن الحكومة المصرية ينقصها التخطيط الجيد في مجال السياحة، موضحا أنه بخلاف ما يحدث في مصر، تقدم معظم دول العالم مساعدات مالية ودعائية بشكل دوري للنهوض بهذا القطاع الحيوي.
وشكك الخبير السياحي في إمكانية تحقيق طفرة في قطاع السياحة بمصر خلال العام الجاري، موضحا أن إجمالي إيرادات مصر من قطاع السياحة خلال العام المالي الماضي بلغ حوالي 10.7 مليار دولار.
وقال إنه تماشيا مع توقعات الحكومة المصرية، فمن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 14.4 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، أي بنهاية يوليو الجاري.
وأضاف أن أعلى عائدات حققتها مصر بلغت 12.5 مليار دولار، في عام 2010، مشيرا إلى أنه خلال أكثر من 10 سنوات زادت الإيرادات بنحو 2 مليار دولار فقط، وهذا يعتبر نجاحا محدودا للغاية، في ظل التضخم العالمي والمحلي، ولن يحل أزمة نقص الدولار.
وتابع أنه وفقا للبيانات الحديثة للبنك المركزي المصري، انخفض عجز صافي الأصول الأجنبية لديه بنحو 217.6 مليون دولار، في مارس الماضي، مقابل ارتفاع صافي الاحتياطات الدولية لدى البنك المركزي إلى 35.5 مليار دولار بنهاية أكتوبر 2010.
وأوضح أن هذا الفارق الكبير في المؤشرات الاقتصادية بين عامي 2010 و2023، مقارنة بمحدودية الفرق في عائدات السياحة خلال نفس العامين، يؤكد أن مصر تبتعد كثيرا عن تحقيق طفرة سياحية تعوض بها أزمة نقص الدولار الحالية.
وأكد أبو شقرة أن من الضروري التركيز على زيادة إيرادات السياحة أكثر من التركيز على عدد السائحين، بمعنى أنه يجب العمل على استقدام سياح ينفقون بشكل مناسب.
وشكك الخبير السياحي في جدوى خفض أسعار الخدمات لجذب السياح، لأن الأسعار المتدنية تعني خدمة ضعيفة تسيء إلى السياحة المصرية.
طفرة سياحية
واستقبلت مصر 7 ملايين سائح في النصف الأول من العام الجاري، لتقترب من تحقيق المستهدف على مستوى العام عند 15مليون سائح، وتهدف مصر إلى زيادة أعداد السائحين، في العام المقبل، إلى 18 مليون سائح، بحسب تصريحات وزير السياحة، أحمد عيسى، في 10 يوليو، بمؤتمر صحفي من القاهرة.
وتشير هذه الأرقام إلى أن مصر حققت زيادة بنسبة 43 في المئة في أعداد الزوار في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي والذي بلغت فيه أعداد الزوار نحو 4.9 مليون سائح، وفقا لما قاله وزير السياحة.
وبذلك تكون أعداد السائحين في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري هي الأعلى في تاريخ البلاد خلال النصف الأول، حيث سجلت مصر أعلى معدل لعدد الزوار في عام 2010 بحوالي 14.7 مليون سائح، الأمر الذي حقق عائدات للبلاد بنحو 12.5 مليار دولار، بحسب ما أعلنه عيسى.
وتُعد السياحة ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية في مصر بعد الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية ناتجة عن شُح الدولار، ما تسبب في تراجع قيمة الجنيه المصري خلال العام الجاري بأكثر من 50 في المئة، مع ظهور سوق موازية للعملات الأجنبية، وفقا لتقرير منتدى دراية الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية، في يوليو الماضي.
وتمثل عائدات السياحة في مصر تمثل حوالي 12 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ونحو 15 في المئة من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، ويعمل 3 ملايين شخص في مهن ترتبط بصورة مباشرة وغير مباشرة بالسياحة، ويمثلون نحو 12.6 في المئة من إجمالي قوة العمل بمصر، بحسب تقرير منتدى دراية.
البنية التحتية أبرز التحديات
وقال الخبير السياحي صاحب شركة السياحة “فورتشيونز تورز”، كمال أبو المجد، لموقع “الحرة” إنه رغم زيادة أعداد السائحين في الأشهر الأخيرة، فلا تزال نسبة حجم استثمارات هذا القطاع في مصر أقل من 1 في المئة من حجم السياحة العالمية البالغة 2 تريليون دولار.
وناقش مجلس النواب المصري، في يونيو الماضي، أزمة تراجع حصة مصر في السياحة العالمية بعد ظهور إحصائيات رسمية تؤكد تضاؤل نسبتها إلى 1 في المئة، بحسب موقع “برلماني”.
وشدد أبو المجد على أهمية أن تشجع الحكومة الاستثمار الأجنبي في قطاع السياحة والبنية التحتية والذي سيفتح الباب للاستثمار المحلي نظرا للتسهيلات الكبيرة التي تمنحها الحكومة للأجانب.
وتحدث الخبير السياحي عن أزمة أخرى يعاني منها قطاع السياحة في مصر تتعلق بالبيئة التحتية أيضا وهي ضعف القدرة الاستيعابية للفنادق والمنتجعات في مصر، موضحا أنه منذ عام 2011 توقفت العديد من الفنادق الكبيرة وحتى الآن لم تعد للعمل بسبب الخسائر الكبيرة.
وقال إن مصر حاليا لديها 213 ألف غرفة فندقية بقدرة استيعاب 17 مليون سائح سنويا، ولتحقيق هدف الحكومة المصرية في عام 2028 تحتاج مصر إلى 400 ألف غرفة إضافية في الخمسة أعوام القادمة.
وأضاف أن الحكومة يجب أن تخصص جزءا من استثماراتها لتعويض خسائر القائمين على السياحة في السنوات الماضية، سواء في أعقاب ثورة 25 يناير أو بسبب تحطم الطائرة الروسية في عام 2015.
وتابع أنه بسبب هذه الخسائر، اضطرت العديد من الفنادق لتقليل جودة الخدمات، سواء في مستوى الغرف، أو الطعام والشراب، أو حتى توفير شبكات الإنترنت المجانية للنزلاء، موضحا أن استمرار هذا الأسلوب سيؤثر سلبا على زيادة أعداد السياحة في مصر خلال السنوات القادمة.
وأشار الخبير السياحي إلى أنه من الأمور التي يجب أن تحلها الحكومة هي أزمة شركة مصر الطيران وخروجها من التصنيف العالمي لأفضل 100 شركة طيران في العالم، فضلا عن تكبدها خسائر بقيمة 30 مليار جنيه، بسبب زيادة نسبة العاملين بها إلى 35 ألف موظف، فضلا عن ارتفاع أسعار تذاكرها مقارنة بمنافسيها الإقليميين.
تحد آخر يعاني منه قطاع السياحة في مصر أشار إليه أبو المجد وهو عدم توفر العمالة المدربة والماهرة، موضحا أنه بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها قطاع السياحة في السنوات الأخيرة، اضطرت الفنادق لتسريح عدد كبير من العمالة المدربة والماهرة، وتخفيض جودة الخدمات.
وقال إن العديد من المرشدين السياحيين والمضيفين وعمال الفنادق الذين كانوا يتحدثون أكثر من لغة بطلاقة ولديهم خبرة ودراية واسعة بكيفية التعامل مع السائح، اتجهوا للعمل في قطاعات أخرى، وتم استبدالهم بعمالة أرخص وأقل في الخبرة والمهارة ولم يتوفر لهم فرص التدريب الجيد، وهو ما يؤثر سلبيا بشدة على الانطباع الذي يأخذه السائح عن مصر.
وأوضح أن مصر لديها مختلف أنواع السياحة، من الآثار والسياحة الشاطئية والترفيهية إلى السياحة الدينية والبيئية، لكن المشكلة تكمن في عدم وجود خطة استراتيجية للدعاية العالمية وتقديم الحوافز والإغراءات المناسبة التي تضعها على الخريطة العالمية.
وأكد الخبير السياحي أن “مصر لديها جميع المقومات التي تجعلها تتربع على عرش السياحة العالمية بكل سهولة، لكن ينقصها التخطيط الجيد والإدارة الواعية التي تستجيب للمشاكل وتعمل على حلها سريعا