لعل أولى ضحايا وتأثيرات مشروع “نيوم” هم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية تماماً وبصورة نهائية، فالمشروع سوف يخلق تحالفاً ثلاثياً عربياً–إسرائيلياً متجاوزاً الحقوق الفلسطينية.

 

عبد الخالق فاروق

عبد الخالق فاروق

31 كانون الثاني 22:58

 

مشروع نيوم والإرهاب والمخاطر المحتملة على سيناء (2-2)

مشروع نيوم والإرهاب والمخاطر المحتملة على سيناء (2-2)

 

كانت الخطة المقترحة من جانب بعض الدوائر الاستعمارية في بريطانيا – التي هي مصدر كل الشرور حتى يومنا هذا – تقوم على إقامة منطقة عازلة في سيناء من خلال أن تستأجر الأمم المتحدة لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد، الأراضي التي سوف تستقطع من مصر والأردن و”إسرائيل” مقابل مبلغ تحدّده محكمة العدل الدولية، ويوزّع بالتساوي بين الدول الثلاث. وفيما يتعلّق بالإدارة يُشكّل مجلس حاكم من 8 شخصيات، 2 من كل دولة.

 

وتحت الضغوط، طرح المشروع للنقاش في “إدارة الشام” بلجنة مسؤولي الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية. وتكشف الوثائق أن إدارة الشام أعدت دراسة استمرت لفترة طويلة، كشفت عن خلافات في الرأي بشأن الخطة. وقالت المذكّرة: “لقيت الفكرة انتقادات لأنها مبالغة في التفاؤل، وهناك اتفاق عام في اللجنة على أن الصعوبات التي ينطوي عليها إنشاء مثل هذا القطاع تفوق قيمتها كمنطقة عازلة بين إسرائيل ومصر”.

 

غير أنه كان هناك رأي آخر أيّدها، ويقول: “إن الفوائد التي توفّرها الخطة، خاصة من وجهة النظر السياسية، جلية وأعظم بكثير مما تظن اللجنة”. وبحسب الوثائق، استمرت الضغوط ومحاولات مؤيدي الخطة، ومن بينهم مجلة الإيكونوميست التي كانت قد نشرت خطة مشابهة لها، ورفضت الخارجية البريطانية إثارة الخطة في الأمم المتحدة.

 

وتشير خلاصة النقاش، التي سجّلت في مذكرة أرسلتها الوزارة إلى مقترحي الخطة، إلى الآتي:

 

1-       ستكون هناك، بالطبع، صعوبات عملية.

 

2-لا يمكن وضع المشروع موضع التنفيذ إلا إذا كانت مصر أو “إسرائيل”، أو كلتاهما مستعدتين للتنازل عن السيادة عن الأرض موضع النقاش، أو توفّرت إمكانية لإجبار الأمم المتحدة لهما على ذلك وكلتا الدولتين حساستان بشأن مسألة السيادة.

 

3-خطتكم تنص على أن يجلس نواب عرب وإسرائيليون سوياً في مجلس حكم برئاسة حاكم تعيّنه الأمم المتحدة. وهذا يستلزم درجة من التعاون بين العرب والإسرائيليين، ومن غير الواقعي توقّع ذلك في ظل الظروف الحالية. وفي الحقيقة، لو كان تحقيق هذا التعاون ممكناً، لما كانت هناك حاجة لإنشاء قطاع للأمم المتحدة.

 

4-بالنسبة للأمم المتحدة، تدركون أننا واحد فقط بين العديد من الأعضاء، ورغم أننا سوف نؤدي دورنا كاملاً في العمل على حل عادل للمشكلات الحالية، فإن الكثير من الأمور يعتمد على موقف الدول الأصغر، التي تشكّل الأغلبية.

 

 

 

هكذا كانت الأفكار تدور في تلك الفترة وسط الدوائر الاستعمارية البريطانية، وكانت العقبات التي واجهت الخطة في ذلك الوقت تتمثّل في:

 

1-غياب التعاون بين العرب وتحديداً مصر والأردن من جهة والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى.

 

2-الحساسيات التي كانت قائمة وقتئذ في مصر والأردن تجاه موضوع السيادة، والآن في ظل استعداد بعض تلك الدول العربية للتنازل عن السيادة عن بعض أراضيها (تيران وصنافير– مشروع نيوم الرباعي الأبعاد). فإن خطة التعامل مع موضوع سيناء بطريقة مختلفة تصبح حاضرة الآن بقوة.

 

فما كان قائماً عام 1957، وحال دون تنفيذ هذه الخطة، وخلق المنطقة العازلة في سيناء لم يعد قائماً بعد اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر و”إسرائيل” عام 1978، ثم اتفاقية “السلام” المصرية – الإسرائيلية في آذار/مارس 1979، واتفاقية أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، واتفاقية “وادي عربة” بين مملكة الأردن و”إسرائيل” عام 1994، ثم الانهيار المتسارع فيما بقي من الموقف العربي بعقد ما يسمى اتفاقيات “إبراهام” بين دولتي الإمارات والبحرين من جهة والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى عام 2020، استتبعه انهيار أكبر بتوقيع اتفاق بين مملكة المغرب و”إسرائيل”، ثم اختراق أكبر بعلاقات مفتوحة وعلنية بين النظام العسكري في السودان والكيان الإسرائيلي عام 2020، وعلاقات خفية وظاهرة بين السعودية و”إسرائيل”.

 

هذا من حيث الأشكال التعاقدية والقانونية والسياسية بين هذه الدول والحكومات العربية والكيان الإسرائيلي، بيد أن ما كان يجري على الأرض، وخصوصاً في مصر، بعد عام 2014 مع حكومة الجنرال عبد الفتاح السيسي كان أكثر خطورة ولم ينتبه إليه أحد بعد. فصحيح أن التعاون الأمني والاستخباري بين حكومة الرئيس المخلوع حسني مبارك و”إسرائيل” كان واسع النطاق وعميق المجال، بحيث أطلقوا على الرجل من دون حياء “الكنز الاستراتيجي لإسرائيل”، لكن ما جرى بعد عام 2014 كان أبعد مدى، وأكثر خطورة على الكيان العربي كلّه.

 

هنا حدثت 4 وقائع ومعطيات جديدة في سيناء، سواء من حيث الجغرافيا، أو الديموغرافيا، أو السيادة والأمن هي:

 

الأولى: أنه تحت عنوان محاربة الإرهاب والمجموعات الإرهابية في سيناء منذ عام 2014، جرت أكبر عملية تجريف ديموغرافي للسكان وتم تدمير-بالمعني الحرفي للكلمة- مدينة رفح المصرية، التي بنيت وعمرت بأكثر من 200 ألف نسمة من السكان على مدى 50 عاماً تقريباً- وظلت بمثابة الامتداد الجغرافي والديموغرافي والاجتماعي لرفح الفلسطينية، وكانت بمثابة خط الدفاع والإمداد اللوجسيتي الخلفي لسكان رفح الفلسطينية، يمدها بالدعم المادي والمعنوي، وبالمؤن والسلاح والوقود، وبالتالي هي وسيلة كسر الحصار الخانق الذي تفرضه السلطات المصرية على قطاع غزة منذ عام 2007، وبتجريف المساكن والسكان وتدميرها فخسرت مصر كما خسرت فلسطين أحد خطوط الدفاع الاستراتيجية على الحدود المصرية، وسهّلت بالتالي على “جيش” الاحتلال الإسرائيلي مهمته في حصار غزة، وفي خلق منطقة عازلة وخالية من السكان المصريين المؤيدين بطبيعتهم لأقربائهم الفلسطينيين على الجانب الآخر من السلك الشائك.

 

الثانية: أنه وتحت مزاعم الحرب ضد المجموعات الإرهابية في سيناء، تعززت فرص التنسيق والتعاون العسكري والاستخباري بين السلطات المصرية الجديدة بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، والجيش الإسرائيلي، وسمح للقوات الجوية الإسرائيلية بعمليات قصف ومتابعة واستطلاع داخل أجواء سيناء، زادت وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 3 شباط/فبراير 2018 عن 100 طلعة جوية إسرائيلية داخل سيناء. مما خلق حالة نفسية وعملياتية مصرية قابلة لهذا التعاون العسكري، وعزّز بالتالي من إمكانيات توسّع هذا التعاون العسكري المصري الإسرائيلي لمسارح عمليات أخرى، ربما تمتد يوماً إلى قصف مشترك ضد منظمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نفسها، أو في غيرها من مسارح العمليات في المنطقة العربية (اليمن – لبنان – إيران وغيرها).

 

وقد شنّت بعض وسائل الإعلام المصرية المرتبطة بسلطة الرئيس السيسي مباشرة والأجهزة الاستخبارية (أحمد موسى – نشأت الديهي) هجوماً عنيفاً ضد حركات المقاومة في غزة بصورة فاحشة، وصل إلى حد الدعوة في بعض المرات إلى شن الطيران المصري هجمات ضد قطاع غزة باعتبارها “وكراً للمجموعات الإرهابية” التي توجد في سيناء المصرية.

 

الثالثة: وصاحب كل ذلك تنازل الرئيس الحالي والمجموعة المحيطة به عن أهم جزيرتين استراتيجيتين في مدخل خليج العقبة وهما جزيرتا “تيران” و”صنافير” للمملكة السعودية في آذار/مارس عام 2016، مقابل وعود بمساعدات اقتصادية ومالية واستثمارات بقيمة 25 مليار دولار، تماماً كما فعل الرئيس الأميركي توماس جيفرسون عام 1803 حينما اشترى ولاية لوزيانا من نابليون بونابرت مقابل 3 ملايين دولار. ووصل الأمر إلى مطالبة الرئيس المصري الحالي المصريين بعدم التحدث في هذا الموضوع مرة أخرى..!! وزاد الأمر أن ضرب عرض الحائط بحكم أهم محكمتين للقضاء الإداري، قضتا بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، في سابقة هي الأولى في تاريخ البلاد، ربما لم يسبقها سوى التفاف الرئيس المخلوع حسني مبارك على حكم القضاء الإداري عام 2009 بشأن وقف تصدير الغاز الطبيعي لـ “إسرائيل”.

 

وبتنازل هذه الحكومة التي يترأسها السيسي عن هاتين الجزيرتين حقّق لـ “إسرائيل” والسعودية ميزتين استراتيجيتين هما، الأولى: تحويل هذا المضيق أو الممر المائي المصري تاريخياً إلى ممر إقليمي، ليس لمصر كلمة فاصلة بشأنه، والثانية: فتح الطريق وتمهيده لعلاقات سياسية وأمنية ودبلوماسية كاملة بين المملكة السعودية والكيان الإسرائيلي.

 

ووفقاً للأخبار المتداولة بتاريخ 24 أيار/مايو عام 2022، نشرت مؤسسة أكيوس AXIOS أخباراً عن بداية مساعٍ أميركية سرية بين الرياض وتل أبيب من أجل تفعيل هذا التفاهم الضمني، ونقله إلى مصافي العمل العلني وإتمام الاعتراف السعودي بـ “إسرائيل” وإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. كما بدأت “إسرائيل” الخطوات الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لتنفيذ خطة قناة بن غوريون الممتدة بين البحر الأحمر جنوباً (إيلات) إلى البحر المتوسط لتشكّل منافساً قوياً لقناة السويس، وتضرب بذلك أحد المصالح الاستراتيجية المصرية.

 

الرابعة: ولم يكن ذلك ليكتمل إلا من خلال تبنّي المملكة السعودية تحت قيادة ولي العهد الشاب محمد بن سلمان مشروع “نيوم” الذي صمّمته شركة(ماكينزي) الأميركية ذات الصلات الوثيقة بأجهزة الاستخبارات والأمن القومي الأميركي. فلم يمض على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرياض بتاريخ 20 / 5 / 2017، والزيارات المتكررة السرية وغير السرية لصهره ومستشاره جاريد كوشنير، سوى أسابيع قليلة، إلا وجاء الإعلان الرسمي لولي العهد السعودي في تشرين الأول/أكتوبر عام 2017 عمّا يسمى “مشروع نيوم  “NEOM، الذي رصد له حجم استثمارات قدره 500 مليار دولار، ومساحته المقدرة حوالى 26.5 ألف كيلو متر مربع (أي أربعة أمثال مساحة فلسطين التاريخية)، يقع على الساحل الشمالي الغربي للمملكة، أي على ضفاف خليج العقبة نزولاً إلى البحر الأحمر وجزيرتي تيران وصنافير، ليمتدّ لحوالى 468 كيلو متراً على الساحل. وهكذا يكون المشروع المعلن بين 3 دول عربية المثلث الرابط بين السعودية والأردن وسيناء في مصر.

 

ويأتي مشروع نيوم السعودي في سياق تاريخي وسياسي معين يمكن تحديده على النحو التالي:

 

1-لا يمكن فصل طرح هذا المشروع من دون أن يكون هناك ظل واضح لمشروع شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي وأحد كبار مؤسسي الكيان العنصري في فلسطين المحتلة الذي طرحه عام 1994 في كتابه الشهير “الشرق الأوسط الجديد”، بعد أن اكتملت سلاسل الاتفاقيات والتنازلات العربية لصالح “إسرائيل” بدءاً بالزيارة المشؤومة للرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى القدس المحتلة في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1977، مروراً باتفاقية أوسلو عام 1993 مع منظمة التحرير الفلسطينية، وصولاً إلى اتفاقية “وادي عربة” مع الأردن عام 1994. انتهاء باتفاقيات إبراهام عام 2020 بين دولتي الإمارات والبحرين من جهة والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، ثم الانتقال إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية والاعتراف المغربي بـ “إسرائيل” عام 2021، والاختراق الذي جرى بين النظام العسكري في السودان والكيان الإسرائيلي.

 

2 -يأتي طرح المشروع في إطار تنسيق سري محموم بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة، والأمير السعودي الشاب الطامح والجامح بقوة واندفاع لتولّي العرش السعودي متجاوزاً كل الأعراف التي كانت سائدة في تسلسل الأسرة الحاكمة السعودية، ومن خلال ترتيبات أشرف عليها مباشرة صهر الرئيس الأميركي ومستشاره المقرّب من الدوائر الصهيونية، جاريد كوشنير، استمرّت لما يقارب 18 شهراً، ومنذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب منصبه الرئاسي في كانون الثاني/يناير من عام 2016 حتى خروجه من الحكم في كانون الثاني/يناير 2021.

 

3-جاء المشروع في إطار تصريحات سعودية وبحرينية وإماراتية متناغمة بشأن التطبيع مع “إسرائيل” صاحبتها زيارات علنية لوفود من هذه الدول إلى الكيان العنصري في فلسطين المحتلة، وصلت إلى حد القول بالحق التاريخي للوجود اليهودي في فلسطين والحق في إقامة دولة يهودية فيها.

 

4 –كذلك لينقل العلاقات المنفردة بين بعض الدول العربية (مصر – الأردن – السلطة الفلسطينية) و”إسرائيل”، إلى إطار إقليمي أوسع نطاقاً وأعمق حجماً على المستويات كافة.

 

5- كما جاء إعلان المشروع بعد أن وقّعت حكومة السيسي في آذار/مارس عام 2016 مع المملكة السعودية عدة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي، ووعوداً باستثمارات ومساعدات تقدر بحوالى 25 مليار دولار في السنوات الثلاث اللاحقة. في المقابل تنازلت مصر وفقاً لما سمّي “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية – السعودية” عن جزيرتي تيران وصنافير على مدخل خليج العقبة إلى المملكة. وبهذا تحوّل الممر المائي من ممر مصري خالص إلى ممر دولي تتشارك فيه مصر والمملكة السعودية و”إسرائيل” والأردن، وبهذا توفّرَ مجال جديد للتعاون الإقليمي بين هذه الدول.

 

6-وتدشيناً عملياً لهذا الإطار التعاوني الجديد، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد انتهاء زيارته إلى المملكة في 22 أيار/مايو 2017، بالطيران مباشرة من الرياض إلى تل أبيب، ليفتتح بذلك وفي سابقة هي الأولى من نوعها الخط الملاحي الجوي بين المملكة السعودية و”إسرائيل” الذي أصبح رسمياً منذ منتصف عام 2022.

 

7-وقد اكتمل الإعلان عن المشروع بجولة زيارات لولي العهد السعودي، إلى عدة عواصم أوروبية، اختتمها بزيارة مطوّلة بتاريخ 19/3/2018، استغرقت نحو أسبوعين للولايات المتحدة الأميركية، التقى خلالها بجماعات الضغط الصهيونية، وبقادة في الكونغرس، ورؤساء شركات كبرى، وحكّام ولايات مهمّة، ليقدّم نفسه من ناحية، ويرسخ لعلاقات التعاون الإقليمي المخطط أقامتها.

 

8-ثم جاء إعلان الرئيس الحالي لمصر بقبوله لهذا المشروع وتخصيص ألف كيلو متر مربع من مساحة سيناء، على الساحل الشرقي من خليج العقبة، للمشاركة في هذا المشروع الإقليمي، وتخرج هذه المساحة بالكامل عن الولاية القضائية والقانونية للسلطة المصرية، ثم ما أعقبه من إعلان النية لتأسيس صندوق مصري–سعودي بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في هذه المنطقة كتحفيز سعودي للمشاركة المصرية، لنصبح أمام وضع جيو–استراتيجي جديد يحمل من المخاطر أكثر مما يحمل من فرص للتنمية الإقليمية.

 

 

 

هكذا تكون هناك بنية هيكلية متعددة المستويات بين الدول الثلاث المعلن عنها، إضافة بالطبع إلى الكيان الإسرائيلي المشارك بقوة من دون إعلان أو ضجيج. وعليه فإنّ هذا المشروع الذي قدّر حجم استثماراته خلال 30 عاماً بحوالى 500 مليار دولار، والذي ستشارك فيه كبريات الشركات العالمية، والدول وغيرها، ليس مجرد مشروع اقتصادي–برغم ضخامته– وإنما هو ترسيخ وتعميق لشراكة سياسية، وقانونية، واجتماعية مركّبة وعميقة. وبالتالي سيؤثّر تأثيراً بعيد المدى على كامل البنيان الجيو– سياسي، والجيو– استراتيجي للإقليم العربي والشرق الأوسط.

 

وقد أثبتت تجربة الأطر الفرعية للعمل العربي طوال الخمسين عاماً الماضية خطورة الأمر على الإطار العربي الجماعي المؤسسي، وبالتالي دقة الموقف المصري الذي تبنّاه جمال عبد الناصر ضد هذه الكيانات الفرعية، سواء كان الاتحاد الهاشمي، أو الهلال الخصيب في عهده، أو ما تكرّر بعد وفاته حينما انتشر هذا النمط الفرعي في المنطقة متمثّلاً في أطر مثل مجلس التعاون المغربي، ومجلس التعاون العربي، ومجلس التعاون الخليجي، فضعضع البنية المؤسسية الجماعية، وكلها لم تضف إلى العمل العربي الجماعي بل على العكس.

 

وفي هذا الإطار الجديد المسمّى مشروع “نيوم” سوف تتمثّل مخاطره على النحو التالي:

 

1-لعل أولى ضحايا وتأثيرات هذا المشروع هم الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية تماماً وبصورة نهائية، فالمشروع سوف يخلق تحالفاً ثلاثياً عربياً – إسرائيلياً متجاوزاً الحقوق الفلسطينية، وستضيع معها واحدة من أهم أوراق القوة العربية والفلسطينية إلى الأبد، خاصة إذا انضمت، أو طلبت الانضمام دول عربية أخرى في خضمّ بناء هذا التحالف الإقليمي المسموم.

 

2-بخلق هذا الإطار التعاوني الجديد، يكون الإطار الإقليمي العربي سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، قد تلقّى ضربة قاصمة إن لم تكن قاضية، لأنّ دول الثقل العربي المالي والسكاني قد انتقلت إلى نمط وهيكل تعاوني إقليمي آخر، يحظى بكل الاهتمام الغربي والأميركي، وبهذا ينفرط ما بقي من عقد عربي، فغالباً سوف تلتحق بقية دول مجلس التعاون الخليجي بهذا المشروع، بينما تذهب دول المغرب العربي فرادى إلى مسارات تعاون ذليلة مع أوروبا أو حتى مع “إسرائيل” كما فعلت المغرب، أما السودان فقد جرى تقسيمه وها هو بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021 قد ذهب للتعاون مع “إسرائيل” وترك الصومال لمصيره المجهول.

 

3-وعادة ما يتم إخراج هذه الأراضي والمساحات الهائلة من الدول المشاركة في مشروع نيوم من الاختصاص القضائي والقانوني لها، ويصبح خاضعاً لقواعد قانونية دولية في المجالات كافة (العمالة – الجمارك–الضرائب-الإدارة وغيرها)، بما يشكّل خطورة استراتيجية على المدى البعيد في حال تجدّد بؤر الصراع والنزاع من جهة، أو في حالات الخلاف بين أطرافه الأربعة الأساسية. ولا شك أن مساحة ألف كيلو متر مربع من سيناء، وفي أهم المناطق الاستراتيجية الحساسة المجاورة لفلسطين المحتلة ستكون لها تداعيات خطيرة.

 

4-ومن جانب آخر فإن الجوهر الغالب على هذا المشروع هو الأنشطة السياحية والعقارية والخدمية والتسويقية، مما سيعمّق الاختلالات الهيكلية في البنيان الاقتصادي للدول المشاركة فيه، سواء على المستوى الاقتصادي أو المستوى الاجتماعي. فغلبة الطابع الخدمي والسياحي على الاقتصاد في الدول النامية مع إهمال قطاعات الإنتاج السلعي، يؤدي بهذا الاقتصاد إلى التعرّض للمفاجآت والاهتزازات المستمرة، خاصة إذا ارتبطت تلك القطاعات بالاقتصاد الرأسمالي العالمي ودورة إنتاجه وتمويله.

 

5- من شأن قيام هذا المشروع تشجيع “إسرائيل” على بعض المشروعات التي قد تكون ضارة ومنافسة لقناة السويس، أو مشروعات محور القناة مثل قناة البحرين (البحر الميت بالبحر الأحمر)، وبالتالي خط النقل الممتد من إيلات جنوباً إلى ميناءي أسدود وحيفا غرباً، مما يعزّز من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة باعتبارها نقطة مقبولة لتقاطع حركة النقل والتجارة الإقليمية والدولية.

 

6- من شأن إقامة هذا المشروع وبحكم الحقائق على الأرض إقامة تحالف استراتيجي بين أطرافه (السعودية–الأردن–مصر–إسرائيل) متعدّد الأبعاد، يتجاوز المفهوم الاقتصادي الضيق ليصل إلى تحالف ذي طبيعة عسكرية وأمنية، وهذا يمثل خطورة على مستقبل المنطقة العربية لسنوات وربما لعقود مقبلة.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG