لطالما لعبَ القطاع السياحي في لبنان دورًا مهمًّا على الصعيد الاقتصادي إذ كان يؤمّن مردودًا لا بأس به للدولةِ اللبنانية، ويتنوّع النشاط السياحي في لبنان بين ال#سياحة التاريخيّة، سياحة الإصطياف والإشتاء، سياحة رجال الأعمال، السياحة البيئيّة والسياحة الدينيّة، وذلك يعود إلى توافر عدد من المقومات الطبيعيّة والبشريّة .
فعلى الصعيد الطبيعي، يقع لبنان بين ثلاث قارات؛ قرب هذا الموقع من الأماكن المقدسة للديانات السماوية الثلاث؛ مناخه المعتدل والذي يجذب السياح في موسمي الإصطياف والإشتاء وبخاصة السياح العرب في فصل الصيف؛ قرب الشواطئ من الجبال ما يسمح أحياناً بممارسة هوايتين في اليوم نفسه: هواية التزلج وهواية السباحة؛ تنوّع الأماكن الطبيعية الجميلة من جبال تكسوها الثلوج إلى منحدرات تكسوها الغابات ومغاور رسمت فيها الطبيعة لوحات خلابة.
أما على الصعيد البشري: يمتلك لبنان عدداً من الآثار التي تركها الأقدمون على أرضه (في بعلبك وجبيل…) فضلاً عن الآثار المكتشفة حديثًا في بيروت، توافر مراكز الاصطياف والمرافق السياحية المتنوّعة من فنادق ومطاعم ومسابح ومراكز الّلهو والسّهر، تطوّر وسائل النقل ما قصّر المسافات بين لبنان والدول المجاورة والعالم، رغبة المغتربين في زيارة وطنهم الأم والإسهام في تنمية قدراته الاقتصادية، الموهبة اللبنانية في معرفة اللغات الأجنبية وفي القدرة على تقديم أفضل الخدمات للسياح الأجانب.
بالنسبة لأهمية القطاع السياحي في الإقتصاد الوطني، فهو يساهم في حوالي 20% من إجمالي الناتج الوطني، كما يساهم في تأمين فرص عمل لحوالي 150000 عامل من اليد العاملة اللبنانية الدائمة، فضلاً عن 25000 موظف موسمي ومعظمهم من طلاب الجامعات، أي ما يساوي 7% من الوظائف المتوافرة في الدولة، وقد وصل عدد السياح في نهاية 2018 إلى حوالي 1.9 مليون سائح.
غير أنه في منتصف 2019، بدأت الأمور الإقتصادية تتغيّر في لبنان نحو الأسوأ، فتراجعت مختلف القطاعات ولا سيّما القطاع السياحي الذي كان إحدى ركائز الاقتصاد اللبناني . أما سبب التراجع فهو مالي إذ بدأت تلوح في الأفق أزمة مالية ناتجة عن شحّ الأسواق اللبنانية من الدولار اللبناني، وتشدُّد المصارف في إعطاء تسهيلات للمودعين ما كبّل أصحاب المؤسسات السياحية بالتوسّع في استثماراتهم السياحية. ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، ومع الصعوبات المالية والقيود التي وضعها المصرف المركزي، تراجعت المبيعات ما بين 60 و70 في المئة حيث أوقفت بعض الشركات نظام البيع الخاص بها عبر وكالات السياحة والسفر.
وازدادت الأزمة سوءًا بعد انتشار وباء الكورونا، حيث عمدت الدولة اللبناينة إلى اتباع سياسة التعبئة التي تقوم على إقفال معظم المؤسسات ولا سيما السياحية منها (فنادق، مطاعم، سينما، مسارح…). وتم إلغاء الكثير من رحلات الطيران من بيروت وإليها، حيث سُجل انخفاض في عدد رحلات الطيران عبر مطار رفيق الحريري الدولي ذهاباً وإياباً من 130 رحلة يوميًا قبل الأزمة المالية والاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، إلى قرابة 30 رحلة حاليًا. وانخفض عدد الركاب من 13 ألفاً يوميًا إلى ما بين 5-6 آلاف راكب قبل إقفال المطار، وإلى صفر راكب بعد إقفال المطار باستثناء عودة المغتربين الإضطرارية لبلدهم الأُم. كما انخفضت مبيعات شركات السياحة والسفر شهرياً من حوالي ستين مليون دولار قبل الأزمة المالية وانتشار فيروس كورونا إلى 18 مليون دولار في شباط الماضي، وإلغاء الكثير من الحجوز في حزيران وتموز المقبلين، وشروع جميع مكاتب الطيران بدفع نصف راتب لموظفيها، إلى جانب تسريح عدد من الموظفين لديها.
أما عن الحلول المقترحة للحدّ من الخسائر في هذا القطاع يجب العمل بعد انتهاء فترة التعبئة العامة، على تطوير السياحة الداخلية ومنها السياحة الدينية والثقافية التي تجذب هواة الاطلاع على تاريخ البلدان، والسياحة الترفيهية والسياحة البيئية بما فيها من برامج المغامرة والتعرف على جمال الطبيعة واستكشاف المواقع المتنوعة في البلد. كذلك، يجب على وزارة السياحة العمل على الترويج لهوية لبنان السياحية حول العالم، بالتوازي مع مبادرات التعاون مع دول الجوار العربي والأوروبي لتطوير الحركة السياحية وضخ الأموال في البلد، وضبط أسعار السلع المرتفعة بشكل جنوني.