خلال العام الفائت، شهدت معظم الاقتصادات العالمية، موجةً مخيفة من التضخم، البعض منها لم تشهدها منذ سنوات. وقد رصد خبراء الاقتصاد حول العالم تمدداً في هذه الظاهرة، واعتبر البعضُ أنها ستكون أبرز محطات التهديد للاقتصادات العالمية -بمختلف مستوياتها -خلال العام الحالي، ولربما ستواجه مخاطر جمّة على امتداد الساحة العالمية، قد تنجم عن أساليب أو أدوات معالجة هذه المستويات العالية للتضخم، وخاصة في تلك البلدان التي لها تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي برمته، كالولايات المتحدة، وبريطانيا، وبعض الدول الأوروبية على وجه التحديد.

 

من المنظور الاقتصادي للوضع الراهن، على صعيد الاقتصادات العالمية مالياً واقتصادياً، تكمن الخطورة بشكل رئيسي في تداخل أدوات معالجة التضخم مع الآليات المولدة له، ومع آثاره السلبية، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، تأتي تلك الخطورة أيضاً من مخاوف الارتدادات الاقتصادية لأية إجراءات قد تتخذها البنوك الكبرى في العالم، بهدف الحد من التضخم، وخاصة البنك “الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي، على الاقتصادات في الدول الناشئة والمتخلفة، التي تعاني أصلاً من معدلات تضخّم مرتفعة ناجمة أحياناً عن:

 

سوء إدارة الاقتصاد الوطني في تلك البلدان، وآليات استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة.

ضرورات تطبيق السياسات التوسعية داخل اقتصاداتها، لأسباب تتعلق بزيادة الاستثمارات، وتحسين المستويات المعيشية.

مآلات آليات الحكم، وأدوات السلطة السياسية في تلك البلدان. ومدى استحواذها على مقدّرات البلاد، لصالح فئة معينة، على حساب التطوير، وتحديث الاقتصاد الوطني.

الظروف السياسية، وحالة عدم الاستقرار الأمني في العديد من هذه البلدان، والتي تنجم عنها عادة اهتزازات في قيمة العملة المحلية، وتراجع في سعر صرفها، وبالتالي ارتفاع معدلات الفائدة.

 

إذاً، وبالنظر لمجريات الأحداث داخل الاقتصادات العالمية -وخاصة الكبرى منها -يبدو أن المشهد لن يخلو من مخاوف وتهديدات قادمة، خاصة إذا ما عرفنا أن معدلات التضخم آخذة في الارتفاع داخل الاقتصاد الأمريكي، وباقي الاقتصادات المتقدمة، ذات التأثير القوي على اقتصادات الدول الأخرى في العالم، زاد من خطورة هذا الأمر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بكل ما تحمله من آثار خطيرة على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى اقتصادات الدول الفقيرة بشكل خاص. وبذلك فإن معدلات التضخم العالية التي قد تتجه نحو الأعلى بالنتيجة، ستنعكس في صورة تراجع القوة الشرائية للأفراد، وارتفاعاً في مؤشر أسعار المستهلكين الإجمالية، وزيادة في تكاليف الإنتاج، وبالتالي زيادة في مؤشر أسعار المنتجين أيضاً. وهذه الانعكاسات حال استمرارها، ستحدث اختلالات بنيوية، قد تحفّز على تنشيط مسببات ارتفاع التضخم، وخاصة إذا ما وصلت الحالة لدى مختلف الوحدات الاقتصادية المجتمعية إلى التنبؤ بقدوم مستويات عالية من التضخم وبناء الخطط المستقبلية، واتخاذ الإجراءات بناءً على تلك التنبؤات، مما سيساهم في ترسيخ التضخم، وتكوين محفزات ذاتية له داخل الاقتصاد.

 

أهمية الدراسة

 

لا شك أن العالم أصبح قرية صغيرة، نتيجة التطورات الإلكترونية، والتقنية الهائلة، والتي انعكست على العديد من مناحي الحياة الاقتصادية لمختلف بلدان العالم، لدرجة بات معها تداخل الأحداث داخل الاقتصادات العالمية شيء مألوف بالنسبة للدول. فقد تُحدِث أية إجراءات أو سياسات اقتصادية تتخذها الدول القوية – اقتصادياً -كالولايات المتحدة، ارتدادات قوية داخل اقتصادات الدول الأخرى، الناشئة منها أو المتخلفة، وخاصة تلك المرتبطة بعلاقات اقتصادية قوية معها.

 

ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، كونها ستبحث في ظاهرة ارتفاع معدلات التضخم في اقتصادات الدول الكبرى، بعد جائحة كورونا، وفي إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما يمكن أن تتركه من آثار اقتصادية سلبية على الاقتصاد العالمي برمته، واقتصادات الدول الأخرى بشكل منفصل. إضافة إلى إظهار التحديات التي تواجه السلطات النقدية والمالية داخل الاقتصادات القوية، أثناء محاولتها للسيطرة على ارتفاع التضخم، وكبح الآثار التي قد تتركها هذه التحديات، سواءً على صعيد اقتصاداتها المحلية، أو على الصعيد الاقتصادي العالمي.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG