ة عقود من التكامل الاقتصادي العالمي المتزايد، يواجه العالم خطر التجزئة الجغرافية الاقتصادية المدفوعة بالسياسات، عواقب البيئة العالمية على النظام النقدي الدولي وشبكة الأمان المالي العالمية تشكلا تحديا جليا، خصوصا ألا مسار عملي للمضي قدما للحفاظ على فوائد التكامل العالمي والتعددية

 

صناع القرار وقادة الأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يجتمعون وهم يواجهون عقدة تحديات كبيرة، بداية من التباطؤ الاقتصادي العالمي وتغير المناخ إلى أزمة تكلفة المعيشة وارتفاع مستويات الديون، ولا توجد طريقة سهلة للتغلب عليها. يضاف إلى ذلك التوترات الجيوسياسية التي جعلت معالجة القضايا العالمية الحيوية أكثر صعوبة

 

على مدى السنوات القليلة الماضية، شهد العالم انزلاقا تدريجيا؛ من التعاون إلى المنافسة ثم الصراع. تم استبدال النظام الدولي الذي أعقب الحرب الباردة، أولا بفترة احتدام المنافسة العالمية ثم بالحرب في أوروبا. في هذا العصر الجديد وغير المستقر، يجب على قادة العالم تكييف فهمهم وممارساتهم للجغرافيا السياسية لأن الوقت ينفد لمواجهة التحديات العالمية الحرجة

 

عصر الاضطراب

 

كان ميلاد منظمة التجارة العالمية عام 1995 ودخول الصين إليها عام 2001 دليلا على الروح الاقتصادية التعاونية. بين عامي 1992 و2017، ارتفعت التجارة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار النصف تقريبا، وكما لاحظ المنتدى الاقتصادي العالمي، أن تحرير التجارة ورأس المال أدى إلى تكامل الأسواق والتوسع عبر الحدود في سلاسل القيمة إلى مستوى جديد. وأظهرت الاستجابة العالمية المنسقة للأزمة المالية لعام 2008، بما في ذلك من جانب البنوك المركزية وبلدان مجموعة العشرين، الغريزة السائدة للتعاون الاقتصادي

 

في الوقت الذي يتراجع فيه النظام الأحادي القطب التعاوني إلى حد كبير بعد الحرب الباردة، تتنافس القوى العالمية لتشكيل العصر الذي سيحل محله. هناك خطر من عدم معالجة القضايا الحرجة التي تحتاج إلى عمل جماعي من تغير المناخ إلى المخاطر الاقتصادية العالمية إلى وباء كورونا . ومع ذلك، فإن هذه اللحظة الجيوسياسية الصعبة جعلت من الممكن أيضا تخيل طريقة جديدة لمواءمة المصالح، طريقة يمكن أن تساعد في استعادة الثقة في التعاون العالمي

 

الخبير في السياسة النقدية والاقتصادي الكلي، إريك سيمز، أوضح لـ الحل نت ، أنه لمدة ربع قرن بعد نهاية الحرب الباردة، كان التعاون العالمي قائما على قواعد متفق عليها بشكل متبادل للعلاقات، وعملت البلدان معا لتعزيز المصالح المشتركة، لا سيما في القضايا المتعلقة بالاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا

 

من المؤكد من وجهة نظر سيمز أنه كانت هناك حلقات كبيرة من الخلاف. ولكن إلى حد كبير ، سعت الدول إلى الحفاظ على الاستقرار والأمن والازدهار. خلال هذا الوقت، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع من أكثر من 35 بالمئة إلى ما يقرب من 11 بالمئة. وبالنسبة لـ40 بالمئة من سكان العالم، ارتفع الدخل الإجمالي بما يقرب من 50 بالمئة

 

فيما يتعلق بتغير المناخ، يرى سيمز أنه كان هناك شعور مشابه واضحا في اتفاقية باريس لعام 2015، والتي ألزمت 196 طرفا بتحقيق أهداف مناخية بعيدة المدى و تعزيز التعاون الدولي للعمل المناخي . أضافت التكنولوجيا طبقة أخرى إلى نسيج التعاون العالمي حيث إن البلدان المتصلة بالإنترنت بطرق جديدة مكنت من إيجاد أشكال جديدة من التعاون. في عام 2015، كان أكثر من 40 بالمئة من العالم متصل بالإنترنت، ارتفاعا من حوالي 15 بالمئة قبل عقد من الزمن

 

لكن بحلول عام 2020، كان المنتدى الاقتصادي العالمي يحذر من حدوث توسع في الجغرافيا السياسية . مع تضاؤل التعاون وتكثيف المنافسة، تحولت المجالات التي تعاونت فيها البلدان سابقا بما في ذلك الاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا وفق سيمز إلى مناطق منافسة محصلتها صفر. على سبيل المثال، وصلت التدابير المقيدة للتجارة، مثل التعريفات الجمركية، إلى مستويات قياسية في عام 2018 ليس فقط لحماية الصناعات المحلية ولكن أيضا لتحدي أسس الاقتصاد العالمي المتكامل

 

مستقبل التعددية

 

إن التحدي الذي يواجه الأنظمة التعاونية، والذي تجسد في صعود القوى السياسية القومية في جميع أنحاء العالم، ولد شعور في العديد من المجتمعات بأن العولمة وآليات التعاون العالمي لا تحل المشكلات المشتركة بل تعمق أوجه عدم المساواة. لقد أدى الوباء إلى إجهاد النظام العالمي نحو الهشاشة بالفعل

 

في الواقع، وفق حديث الخبير في الأبعاد المالية لسياسة تغير المناخ، ديفيد أمبورسكي، أنه حتى عندما نحتاج إلى مزيد من التعاون الدولي على جبهات متعددة، فإننا نواجه شبح حرب باردة جديدة قد تؤدي إلى تجزئة العالم إلى تكتلات اقتصادية متنافسة. قد يكون هذا خطأ سياسة جماعية من شأنه أن يجعل الجميع أكثر فقرا وأقل أمانا

 

ومع ذلك، ينوه أمبورسكي إلى أنه لم يستفد الجميع من التكامل العالمي. إذ ألحقت الاضطرابات الناجمة عن التجارة والتغير التكنولوجي الضرر ببعض المجتمعات. فانخفض الدعم العام للانفتاح الاقتصادي في العديد من البلدان. ومنذ الأزمة المالية العالمية، بدأت تدفقات السلع ورؤوس الأموال بالانحسار

 

في الوقت الذي يشتد فيه التنافس العالمي ويتبدد دعم العولمة، فإن فترة جديدة من التعاون على غرار حقبة ما بعد الحرب الباردة ليست وشيكة. ومع ذلك، لا يزال هناك مجال لبوصلة جيوسياسية مشتركة تساعد البلدان على التوافق فيما يتعلق بالمصالح المشتركة

 

على مدى العقد الماضي، تبعا لحديث أمبورسكي، قطع مجتمع الأعمال خطوات كبيرة نحو حل المشكلات المشتركة مع زيادة القدرة التنافسية في السوق أيضا. تم تحقيق ذلك إلى حد كبير من خلال تبني رأسمالية أصحاب المصلحة، والتي تقيس قيمة النشاط التجاري ليس من خلال ربحه قصير الأجل ولكن من خلال تأثيره على الناس وكوكب الأرض.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG