اولت هذه الورقة البحثية التعرف على طبيعة العلاقة بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي وذلك في مصر خلال الفترة من 1991 إلى عام 2015 وقد اعتمدت فى التوصل لذلك على المنهج الوصفى التحليلى وذلك باستخدام متغير حجم الاقتصاد الموازى كنسبة من الناتج المحلى الاجمالى فى مصر والمحسوب بمنهج المتغير الكامن (MIMIC) بواسطة صندوق النقد الدولى وأيضاً بالاعتماد على بيانات الناتج المحلى الإجمالى المقدم من قبل البنك الدولى وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج لعل من أبرزها الآتي:
وجود علاقة عكسية ضعيفة بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي في مصر حيث أن نمو حجم الاقتصاد الموازي سيؤدى إلى نقص النمو الاقتصادي والعكس صحيح وهذا ما يتناقض مع الحجج النظرية التي ترى أن الاقتصاد الموازي كما كان له تأثير سلبي على النمو الاقتصادي نتيجة لتسبب الأول في خفض الإيرادات الضريبية وتقدير الناتج المحلى بأقل من قيمته فان له ايضاً تأثير إيجابي على النمو الاقتصادي حيث أن العديد من مخرجات الاقتصادي الموازي تستهلك وتستعمل في الاقتصاد الرسمي.
المقدمة :
الاقتصاد الخفى أو الاقتصاد الموازى أو الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الظل جميعها مفاهيم تطلق على شئ واحد وهو الاقتصاد الغير رسمى وهو ذلك الاقتصاد الذى يشمل جميع المعاملات الاقتصادية سواء المشروعة أو الغير المشروعة ، النقدية أو الغير نقدية والتى لاتسجل فى الحسابات الرسمية للدخل القومى أى أنه ناتج من المعاملات التجارية التى لا تكون خاضعة للضريبة .
أول من أشار إلى الاقتصاد الموازى هو العالم بيتر جوتمان وذلك عام 1977 فى دراسته المسماه بالاقتصاد السفلى والذى أكد فيها على عدم إهمال المعاملات الاقتصادية التى لا يتم تضمينها فى الحسابات الرسمية للناتج القومى .
ولكن فى وقتنا الحالى بدأ معظم دول العالم بالمعاناة من ظاهرة الاقتصاد الموازى سواء كانت دول متقدمة أو متحولة أو دول نامية فقد أصبحت ظاهرة الاقتصاد الموازى من المشاكل الأساسية التى تواجه اقتصاديات المجتمع الدولى ونتيجة لذلك بدأت معظم المجتمعات فى المحاولة للتحكم فى نمو الاقتصاد الموازى وذلك بسبب الخوف مما قد ينتج عنها من عواقب وخيمة.
فنمو الاقتصاد الموازى يقلل من صحة السجلات الرسمية سواء عن البطالة أو قوة العمالة الرسمية أو الدخل أو الاستهلاك والذى يؤدى بدوره إلى اختلالات فى البرامج والسياسات المبنية على هذه السجلات الرسمية . كما أن الاقتصاد الموازى يشمل الأنشطة التى لا تخضع للنظام الضريبى لذلك تظهر الإيرادات الضريبية بأقل من قيمتها وبالتالى تضطر الحكومات إلى زيادة الضرائب فيزداد العبء الضريبى والذى يؤدى بدوره إلى الخروج من الاقتصاد الرسمى إلى الاقتصاد الغير رسمى .
ولكن على الرغم من ذلك أكدت بعض الدراسات على أن حوالى ثلثى الدخل المكتسب داخل الاقتصاد الموازى يتم إنفاقها على السلع والخدمات التى يتم إنتاجها داخل الاقتصاد الرسمى والذى يؤثر بالايجاب على الاقتصاد الرسمى .
ونظراً لكون النمو الاقتصادي ثروة حقيقية لأي أمة ، حيث أن معظم المؤشرات الاقتصادية تعتمد عليه كما أنه يؤثر على المجالين الاجتماعي والسياسي وهو عنصر مهم لاستقرار الاقتصاد الوطني ومع تفاقم ظاهرة الاقتصاد الموازى وتطورها مع مرور الوقت لذلك كنا فى حاجة لمعرفة مدى تأثير حجم الاقتصاد الموازى على النمو الاقصادى .
ولكن عند دراسة تأثير حجم الاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى وجدنا أن هناك مجموعة قليلة من الدراسات التي تبحث في تأثير اقتصاد الظل على النمو الاقتصادي بالاضافة إلى وجود تناقضات بين نتائج هذه الدراسات .
فالبعض يري أن هناك علاقة إيجابية بين الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى وذلك عندما يقوم الأول بتحسين القدرة التنافسية وتوفير بيئة مناسبة لرواد الأعمال للهروب من اللوائح الحكومية الصارمة والذى يؤدى بدوره فى النهاية إلى زيادة النمو الاقتصادى علاوة على ذلك يقوم الاقتصاد الموازى باستغلال فائض العمل فى الاقتصاد الرسمى ويقوم بتوفير منتجات وخدمات أرخص .
والبعض الاخر يري أن حجم الاقتصاد الموازى يؤثر بالسلب على النمو الاقتصادى حيث أن الإيرادات الضريبية تنخفض مع نمو الاقتصاد الموازى وبالتالى هذا سوف يؤثر بالسلب على كمية ونوعية السلع العامة التى من شأنها تغذية النمو الاقتصادى كما أن الاقتصاد غير رسمى يزاحم الاقتصاد الرسمى على الخدمات العامة والتى يحصل عليها مجاناً ونتيجة لذلك يكون هناك تخصيص غير فعال للسلع العامة والذى بدوره يؤدى بالسلب على النمو الاقتصادى .
وفى ظل هذه التناقضات نريد أن نحاول دراسة مدى تأثير حجم الاقتصادى الموازى على النمو الاقتصادى المصرى خلال الفترة (1991- 2015) وقد قمنا باختيار الاقتصاد المصرى لانه من أكثر الاقتصاديات تنوعاً سواء فى الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا ، خلال فترة الدراسة نجد أن الاقتصاد المصرى اعتمد علي مراحل متتالية ومختلفة تستهدف الإصلاح الاقتصادي الهيكلي الشامل الذي أدى إلى اقتصاد موجه نحو السوق ، وتحرير سوق الأوراق المالية ، وقطاع خاص قوي.
أهمية الدراسة
يتكون اقتصاد أى دولة من مكونان رئيسيين اقتصاد ظاهر للعلن وهو اقتصاد قابل للقياس ومن الممكن الحصول منه على إحصاءات دقيقة ومن خلال هذه الإحصاءات تبنى السياسات الاقتصادية اللازمة لإدارة الاقتصاد القومى ككل والثانى اقتصاد خفى وهو عبارة عن القناة التى تمر من خلالها جميع الأنشطة الاقتصادية التى لا يتم تسجيلها داخل الإحصاءات الرسمية للناتج القومى ويمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلى الإجمالى وفى بعض الاحيان ينمو هذا الاقتصاد بنسبة تفوق نمو الاقتصاد الرسمى ونتيجة لذلك يؤثر الاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى وتسبب الإحصاءات الغير دقيقة التى يقدمها الاقتصاد الموازى الكثير من المشاكل لصانعى السياسات الاقتصادية حيث أنها تقدم مؤشرات اقتصادية مضللة .
ولذلك تعد دراسة وفهم العلاقة بين حجم الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى شيئاً مهما لصانعي السياسة الاقتصادية فيجب أن يعرف صانعو هذه السياسات كيف يستجيب النمو الاقتصادى للتغيرات فى حجم الاقتصاد الموازى .
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة بشكل أساسي إلي تقديم تحليل وصفي لتوضيح العلاقة بين الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى وذلك في مصر خلال الفترة من عام 1991 وحتي عام 2015 وذلك من خلال تحليل العلاقة بين حجم الاقتصاد الموازى و مقاييس النمو الاقتصادى من نمو الناتج المحلى الإجمالى.
إشكالية البحث:
وفى إطار الموضوع محل الدراسة تم طرح التساؤل التالى :
إلى أي مدى يؤثر حجم الاقتصاد الموازي على نمو الاقتصاد المصري وذلك خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2015 وتم الاعتماد علي بيانات سنوية لكل من حجم الاقتصاد الموازى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى والذى يقدمه صندوق النقد الدولى وكذلك بيانات سنوية عن معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى الذى يقدمه البنك الدولى وذلك خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2015 وذلك للتعبير عن مشكلة الدراسة ويتم الإجابة علي التساؤل البحثي الرئيسي من خلال عدد من التساؤلات الفرعية كالآتي :
ماهية الاقتصاد الموازي (التعريف و الخصائص)؟
أهم العوامل التي ساعدت على انتشار ظاهرة الاقتصاد الموازي في مصر؟ و ما هي المحددات المرتبطة بهذه الظاهرة ؟
ما هي الأثار الناتجة عن أنشطة الاقتصاد الموازي الإيجابية منها والسلبية ؟
كيف يؤثر الاقتصاد الموازي على عملية تقدير حجم الناتج المحلي الاجمالي والذي بدوره يؤثر على النمو الاقتصادي ؟ و كيف تتعامل الدولة مع هذه الظاهرة لمعالجتها ؟
منهجية الدراسة
تعتمد منهجية الدراسة علي الأسلوب الوصفي التحليلى في وصف وتحليل ظاهرة الاقتصاد الموازي وأثر تقلبات حجم الاقتصاد الموازى علي النمو الاقتصادي وخطط التنمية الاقتصادية في مصر خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2015 وذلك بالاعتماد على بيانات السلاسل الزمنية السنوية لحجم الاقتصاد الموازى فى مصر والمحسوب بمنهج المتغير الكامن (MIMIC) بواسطة صندوق النقد الدولى وأيضاً بالاعتماد على بيانات الناتج المحلى الإجمالى المقدم من قبل البنك الدولى كما توضح الدراسة أيضاً المفاهيم والأسباب المفسرة والأثار الناجمة في تحليل العلاقة بين الاقتصاد الموازي أو ما يسمي باقتصاد الظل والنمو الاقتصادي وخطط التنمية لذا سنتطرق في الدراسة إلي تحليل ظاهرة الاقتصاد الموازي وأبعادها المختلفة في مصر والتعرف علي أسبابها ومنهجيات قياسها وكذلك الوقوف علي الأثار المختلفة التي تترتب علي اتساع أنشطه الاقتصاد الموازي والحد من خطورة أثاره.
الحدود الزمانية والمكانية
لدراسة العلاقة بين الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى سوف يتم اختيار دولة مصر للدراسة عليها وذلك خلال الفترة من عام 1991 إلى عام 2015 وقد تم اختيار تلك الفترة بسبب توفر بيانات عن حجم الاقتصاد الموازى لمصر خلال تلك الفترة وهى أطول بيانات ممكنة.
فرضية الدراسة
تقوم الدراسة على فرضية وهي وجود علاقة سالبة بين النمو فى حجم الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى فى مصر خلال الفترة (1991-2015).
مراجعة الادبيات
الإطار النظرى
يعتبر الاقتصاد الموازى من أهم المفاهيم التى تلعب دوراً مهماً فى الحياة الاقتصادية فهو بمثابة القناة التى تمر بها جميع المعاملات غير الرسمية فى اقتصاديات الدول وبالتالى فإن حدوث أى تقلبات فى معدلات نمو الاقتصاد الموازى سوف يكون لها أثرعلى معدلات النمو الاقتصادى فى الدول المختلفة ولذلك سوف نتناول فى القسم التالى من الدراسة أهم المفاهيم المرتبطة بالاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى وكذلك سوف نتناول أهم المدارس والنظريات الاقتصادية التى تناولت هذين المتغيرين الاقتصاديين.
1- المفاهيم المرتبطة بالاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى
الاقتصاد الموازي
لايوجد اتفاق بين الباحثين لتحديد مفهوم الاقتصاد الموازي بدقة وذلك بسبب تعدد أسبابه، وتنوع أنشطته، واتساع نطاقه واختلاف معالمه، وظهور الاختلاف الكبير في طبيعة الأنشطة المندرجة في إطار هذا النوع من الاقتصاد ، واقتصرت مفاهيم الدارسين على المفاهيم الاصطلاحية والتي تركز على بيان أوصاف تلك الأنشطة والتعبير عن آليات هذه الظاهرة وخصائصها، دون وصولهم لتعريف شامل ومحدد ومازال تعريف اقتصاد الظل محلاً للنقاش فقد كان أول من صاغه كيث هارت في بحثه عام 1973 ويرجع هذا التعبير اإلي التمييز بين العمل الرسمي وغير الرسمي فقد عرفها بأنها العمالة التي تعمل خارج القطاع الرسمي ، ويمكن تعريف الاقتصاد الخفي بأنه جميع الأنشطة الاقتصادية التي تخضع للضريبة بشكل عام اذا ما أبلغت بيها السلطات الضريبية .(مطر،2021)
النمو الإقتصادي
يعد النمو الاقتصادي مصطلح جديد نسبياً في التاريخ البشري ، حيث اقترن بظهور الرأسمالية والإنتاج الصناعي، وما صاحبها من تغيرات تقنية مستمرة وتراكم لرأس المال والتي أدت إلي تحولات جوهرية للمجتمعات، كانت قبل هذا النظام مجتمعات بدائية تسعى للحصول على وسائل العيش والبقاء ولم تهتم بمقدار أو وتيره الزيادة فيها ، وتزامن هذا المصطلح مع ظهور الإقتصاد المنتظم ابتداءاً من النظرية الكلاسيكية ، واستمرلفترة زمنية طويلة دون مراعاة لنوعية الدولة متقدمة كانت أوغير ذلك ، فكل مجتمع يهتم ويبحث في السبل والأسباب التي تمكنه من رفع كمية السلع والخدمات التي يتم إنتاجها من طرف الوحدات والمنشأت الإقتصادية . ( سيدي ، 2012 )
التضخم
ھنـاك عـدد من التعریفـات للتضـخم لكن بشـكل عام يُعرف بكونـه الحـالـة التي یشــــھـد فیھـا الاقتصــــاد ارتفاعاً مستمراً في المســـتوى العام لأســـعار السـلع والخدمات التي تھم شــــریحــة واســــعــة من المواطنین ، على المستوى الجزئي ویؤثر ھذا الارتفاع على القوة الشرائیة للمواطنین ویضعف من قدرتھم المادیة على تلبیة احتیاجاتھم المعیشیة ، على المستوى الكلي ، حيث تؤثر المعدلات المرتفعة من التضخم سلباً على مستویات الاستھلاك والاستثمار والصادرات ، وعلى القوة الشرائیة للعملة المحلیة ومن ثم على النشاط الاقتصادي. (الشيخ ، 2021)
التهرب الضريبي
يمكــن تعريــف التهـرب الضريبي علــى أنــه امتناع المكلـف عــن أداء كامل الضريبة المستحقه عليه أو جــزء منهــا مــن خــلال ممارســات أو أفعــال غيــر قانونيــة مثــل عــدم إمساك دفاتــر محاسـبية منتظمـة ، أو إخفاء الحجـم الحقيقي لأعمالـه أو عـدم الإبلاغ عـن بعـض مصادر دخله ، وبالتالي يختلف التهرب الضريبي المجرّم قانوناً عن التجنب الضريبي والذي يعني قيام المكلف بأداء الضريبة باستخدام طرق وأساليب مشروعة قانوناً. ( زكي ، 2021 )
غسيل الاموال
لا يوجد اتفاق عام بين الدول حول مفهوم غسيل الاموال ، الأمر الذي يزيد من صعوبة محاولات مكافحة هذه الجرائم خاصة علي المستوي الدولي ، فبعض الدول تأخذ بالمفهوم الواسع لغسيل الأموال من حيث اعتبار العائدات المالية لكافة الأعمال الإجرامية طرقاً لغسيل الاموال ( مثل تجارة وتهريب المخدرات ، تجارة الرقيق ، الإرهاب ، الرشوة ) في حين تأخذ بعض الدول الاخري بالمفهوم الضيق حيث تقتصرهذه العمليات علي محاولات إخفاء العوائد المالية لتهريب المخدرات فقط دون بقية الجرائم .
ويمكن تعريف عمليات غسيل الاموال بأنها ” تلك الإجراءات التي يتم اتخاذها لاخفاء مصادر الأموال المتحققة عن طريق غير مشروع والعمل علي إدخالها إلي نهر الاقتصاد المشروع من خلال سلسلة من عمليات التحويلات المالية والنقدية.” (عزت ، 2010 )
2– المدارس الاقتصادية المفسرة للاقتصاد الموازى
المدرسة الثنائية في فترة السبيعنات
عرفت هذه المدرسة بأعمال منظمة العمل الدولية في فترة السبعينات و كانت تنظر إلى القطاع غير الرسمي بأنه ذلك القطاع الذي يضم كل الأنشطة الاقتصادية الثانوية ( الهامشية ) التي توفر مصدراً جيداً للدخل بالنسبة للفقراء ، كما ترى أن استمرار الأنشطة غير الرسمية و اتساع نطاقها يعود بدرجة كبيرة إلي أنه لا يوجد المناصب والوظائف الرسمية المناسبة التي لديها القدرة على امتصاص فائض العمالة و الذي بدوره ناتج عن بطئ معدل النمو الاقتصادي أو النمو السكاني بمعدلات متزايدة ومتسارعة أو كليهما.
و فيما بعد قدم برنامج العمالة العالمية في امريكا اللاتينية ( التابعة لمنظمة العمل الدولية ) تفسيراً ثنائياً بديل حيث نظر البرنامج إلى القطاع غير الرسمي علي انه قطاع هامشي من الاقتصاد ككل و الذي يعتبره الناس طوق النجاه (وبالاخص الفقراء) و لكنه قطاع غير محمي ، و في هذا الصدد لبرنامج العمالة العالمية قد تم الاعتماد على معيارين في تفسير الاقتصاد غير الرسمي هما :
معيار وضعية العمل : الذي يعتبر أن القطاع غير الرسمي هو القطاع الذي يشمل الأعمال المنزلية والعمالة المؤقتة والمهن الحرة.
معيار مستوى الاجور : الذي يعتبر أن الاشخاص الذين يعملون بالقطاع غير الرسمي هم الاشخاص الذين يحصلون على الحد الادنى للاجور.(حمودة، 2012)
المدرسة الهيكلية ( البنيوية ) في اواخر السبعينات والثمانينات
كان أشهر رواد هذه المدرسة هم كارولين موزر 1978 ، اليكسندرو بورتس 1989 ، الذين كانوا ينادون بضرورة التعامل مع القطاع غير الرسمي على أنه قطاع تابع يضم بداخله عمال ومشروعات صغيرة ( الوحدات الاقتصادية ) ، كما أن هذا القطاع يقلل من تكاليف العمالة و تكاليف مدخلات الانتاج ومن ثم تزداد القدرة التنافسية لعدد كبير من المؤسسات الرأسمالية التي تندرج تحت إطار الاقتصاد الرسمي .
قامت هذه المدرسة بتقسيم أنشطة الاقتصاد غير الرسمي إلى ثلاثة أنشطة مختلفة وهي : الأنشطة المعاشية ،أنشطة مرتبطة بالقطاع الرسمي عن طريق المقاولة من الباطن وأنشطة غير رسمية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة و لديها القدرة على تراكم رأس المال.(حمودة،2012)
المدرسة القانونية ( الشرعية ) في الثمانينات والتسعينات
يعتبر الاقتصادي هيرناندو دي سوتو أحد اشهر رواد هذه المدرسة ، و التي ترى أن الاقتصاد غير الرسمي يتكون من المشروعات الصغيرة الريادية و رواد الاعمال الذين يتجهون إلى العمل غير الرسمي الذي تنخفض فيه التكاليف والجهد و الوقت المستغرق مقارنة بالقطاع الرسمي.
وفي نظر دي سوتو ، فان الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية هي المهن الاقتصادية غير الاجرامية التي تتم أما من خلال اختراق القانون بشكل تقني ( مثل تشغيل مشروع دون تصريح ) أو تلك التي تتم في ظل قانون تمييزي.
كما أشار دي سوتو أيضاً إلى أن أصحاب المشاريع الصغيرة سوف يستمرون في العمل بصورة غير رسمية في حال استمرار ارتفاع التكاليف و زيادة الاجراءات و درجة تعقيدها التي تفرضها الحكومة لانشاء المشروع بهدف تقليل حجم القطاع الخاص.
المدرسة غير الشرعية في الالفية الثالثة
اشتهرت هذه المدرسة بأعمال الاقتصادين من النيوكلاسيك و النيوليبرال ، و الذين اعتقدوا أن أصحاب الأعمال غير الرسمية يتعمدون تجنب اللوائح و القوانين والتهرب من دفع الضريبة وفي بعض الحالات يتعمدون التعامل بالسلع التي تخرج من القطاع غير الرسمي وهذا المنظور يتماشى مع فكرة أن الاقتصاد غير الرسمي هو اقتصاد أسود أو خفي.
كما يرى رواد هذه المدرسة أن أصحاب الأعمال غير الرسمية يفضلون الاستمرار في العمل بشكل غير رسمي و قد يصل إلى العمل بصورة إجرامية بهدف تجنب تحمل تكاليف التشغيل الرسمية للمشروع مثل رسوم الايجار ، مصاريف الكهرباء ، الضرائب ، القوانين و اللوائح التجارية ، …. الخ.(حمودة ،2012)
وبهذا نكون قد استعرضنا أهم المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى وكذلك أهم المدارس الاقتصادية التى تناولت فكرة الاقتصاد الموازى وسوف نقوم فى القسم التالى من هذه الدراسة بعرض أهم النتائج التى توصلت إليها الدراسات التطبيقية وهى تحاول دراسة العلاقة بين الاقتصاد الموازى والنمو الاقتصادى بالتطبيق على اقتصاديات دول مختلفة .
الدراسات التطبيقية
يوجد العديد من الدراسات التطبيقية التى حاولت معرفة أثر نمو حجم الاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى على مدار العقود السابقة فى مختلف الدول العالم والتى ساعدت بدورها فى فهم وتحليل الجوانب المختلفة للموضوع ، وقد تنوعت هذه الدراسات فى الأساليب والمناهج المتبعة فى معرفة العلاقة بين المتغيرين، كما تنوعت فى العينات والفترات المستخدمة على مستوى الدراسة والنتائج التى توصلت إليها حيث توصلت بعض الدراسات إلى وجود تأثير إيجابى للاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى وتوصلت دراسات أخرى إلى وجود تأثير سلبى بين المتغيرين، وهناك بعض الدراسات التى توصلت إلى عدم وجود علاقة محددة بين المتغيرين وسوف يتم عرض هذه الدراسات وفقاً للنتائج التى توصلت إليها.
الدراسات التي توصلت إلي وجود علاقة موجبة بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي
هناك عدد من الدراسات التى توصلت إلى وجود تأثير معنوى إيجابى لحجم الاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى ،فقد أوضحت دراسة ((Zaman & Goschin,2015 العلاقة بين حجم الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي خلال الفترة من (1999-2012) بالتطبيق علي دولة رومانيا ، حيث اتبعت النموذج القياسي لتحليل العلاقة بين كلا من الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي عن طريق البيانات التي تم جمعها من Eurostat online database وتوصلت لوجود علاقة موجبة قوية بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي وأكدت أيضاً علي وجود علاقة تكامل بينهما.
وهذا ماتوصلت إليه دراسة أخرى (عبد العظيم ، 2017) تم تطبيقها على دولة مصر وذلك خلال الفترة من (2011-2016)، ولكن باستخدام أسلوب المنهج الوصفى لتوضيح العلاقة والتي تبينت أنها علاقة موجبة وذلك بعد ثورة يناير حيث لعب الاقتصاد غير الرسمي دوراً هاماً في توفير السيولة.
وتوصلت دراسة (Nguyen&Duong,2021) أيضاً إلي نفس نتيجة دراسة (Zaman &Goschin,2015 ( إلي وجود علاقة موجبة بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي ، حيث قامت دراسة (Nguyen & Duong,2021) بتطبيق نموذج قياسي وهو Bayesian linear regression model وذلك علي دول البريكسBRICS Countries في الفترة (1991-2017) ودرست العلاقة بين كلا من الاقتصاد الموازي ومؤشر للتحكم في الفساد وتأثير كلا منهم علي النمو الاقتصادي لدول البريكس.
الدراسات التي توصلت إلي وجود علاقة سالبة بين الاقتصاد الموازي والنمو الاقتصادي
عندما يتعلق الامر بالدراسات التي توصلت إلي وجود تأثير معنوي سلبي لحجم الاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى يمكن ذكر الدراسات التالية : فمثلاً دراسة ( Loayza,1996) فقد افترضت وجود أثر سلبى للاقتصاد الموازى على النمو الاقتصادى وذلك فى دول امريكا اللاتينية وأوضحت أن سبب هذا الافتراض يرجع إلى ازدحام كلاً من القطاع الرسمى والغير رسمى على السلع العامة فى حين أن القطاع الغير الرسمى يحصل عليها بالمجان وبالتالى نتيجة للتخصيص الغير فعال أدى ذلك إلى انخفاض النمو الاقتصادى ولكن هذا الافتراض قد فشل فى الحصول على قبول.