
رمضان ليس مجرد شهر للصيام، بل مدرسة للتدرب على ضبط النفس، والارتقاء الروحي، مع التخلص من رواسب الحياة اليومية التي تثقلنا، وفي عصر تهيمن عليه الملهيات الرقمية والإشباع الفوري، فإن الشهر الفضيل يجسد الترياق الأقوى ضد المغريات التي تكبلنا.
ولعل التحدي في رمضان لم يعد يقتصر على الإمتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل يشمل مقاومة الحلقة المفرغة من المقاطع القصيرة على مواقع التواصل، والمحتوى الرقمي، وغيرها من الملهيات التي ربما تكون فارغة من أي معنى.
فالصيام هو معركة ضد الشهوات والمغريات والملهيات، وهي معركة صعبة من دون شك، خصوصاً أن الخوارزميات تصمم بشكل عام، وفي رمضان بشكل خاص، لإبقاء المستخدمين لأطول فترة ممكنة، يقومون بالتصفح العشوائي بلا وعي.
وكما يكبح الصيام الرغبات الجسدية، ينبغي أن يمتد ليشمل الاستهلاك الرقمي، حيث نتعلم ضبط النفس ضد الإفراط في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، والقيل والقال والتفاخر، الذي يملأ هذه المساحات الافتراضية.
الصيام الرقمي!
الصيام الرقمي يتوافق مع مبادئ وأهداف الصيام العامة الصيام الرقمي يتوافق مع مبادئ وأهداف الصيام العامة – المصدر: Shutterstock
يعرف الصيام الرقمي، بأنه ممارسة الإمتناع الطوعي عن إستخدام الأجهزة الرقمية، والإبتعاد لفترة محددة عن المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ببساطة يشبه عملية التخلص من السموم، حيث يهدف إلى تقليل الإعتماد على التكنولوجيا، وتعزيز أسلوب حياة صحي وأكثر توازناً.
فكما يحتاج الجسد إلى استراحة من الطعام للتطهير والتخلص من السموم، كذلك يحتاج العقل إلى استراحة من التحفيز الرقمي المستمر، وعليه فإن الأهداف تتنوع بين البدنية والنفسية، والغاية منها تحسين الصحة العقلية والنفسية، والتفرغ لكل ما هو هام في حياتنا الواقعية، والفوائد هذه لها أهمية مضاعفة خلال شهر رمضان، لكونها تخدم الغاية من الشهر الفضيل.
كيف تقلل من استخدام الهاتف في رمضان؟
يركز رمضان على الانضباط الذاتي والتأمل، والابتعاد عن الأمور التي تشتت تركيزنا، مما يتوافق تماماً مع فكرة الصيام الرقمي، حيث إستخدام الانقطاع الرقمي كمكمل للصيام عن الطعام والشراب، لايجاد المزيد من الوقت للعبادة، ولتقوية الروابط العائلية ولتحسين الذات، فكيف يمكن تقليل الوقت الذي نمضيه ونحن نستخدم هواتفنا؟
– الأهداف الواقعية:
الأهداف يتم تحديدها وفق نمط الحياة وقوة الإرادة التي يمكلها الشخص . المصدر: Unsplash الأهداف يتم تحديدها وفق نمط الحياة وقوة الإرادة التي يمكلها الشخص – المصدر: Unsplash
الصيام الرقمي يختلف في مدته لناحية عدد الساعات وشدته، أي أنه قد يكون فترة تطهير كاملة أو مع قيود جزئية.
وبطبيعة الحال، فإن الأهداف يجب أن تكون منطقية، وتتناسب مع شخصياتك، خصوصاً أن الابتعاد عن العالم الرقمي في عصرنا هذا يعد تحدياً كبيراً.
بعض الأشخاص يملكون قوة الإرادة التي تمكنهم من الانقطاع الكلي عن العالم الرقمي، في الجزء الترفيهي منه وليس الخاص بالعمل طبعاً، والالتزام بذلك طوال الشهر، وفي المقابل هناك فئة لا تملك قوة الإرادة، وتحتاج إلى حلول وسط، وعليه فإن الأهداف الصغيرة القابلة للتنفيذ أفضل.
فعلى سبيل المثال يمكن البدء بعدم استخدام الهاتف قبل ساعة من النوم، ثم عدم استخدامه لساعتين بعد بضعة أيام، وهكذا، والنهج التدريجي هذا يساعد على بناء القدرة على التكيف.
ولتحديد الأهداف بشكل واقعي، يفضل تقييم الاستخدام الرقمي الخاص بك من خلال استخدام أدوات مثل “سكرين تايم Screen Time” لأجهزة “آبل”، و”ديجيتال ولبينج Digital Wellbeing” لأجهزة “أندرويد”، لمعرفة أي من التطبيقات تستهلك وقتكم، والفترات التي تكون خلالها أكثر عرضة للإدمان الرقمي، والتخطيط وفق تلك المعلومات.
اقرأ أيضًا| تطبيقات تساعدك على صيام رمضان.. هكذا تطوّع التكنولوجيا خلال الشهر الكريم
– الحدود الزمنية والمكانية:
الخطط المرنة التي تفيدك ولا تجعلك عبداً للمغريات الرقمية ستضمن نجاحك الخطط المرنة التي تفيدك ولا تجعلك عبداً للمغريات الرقمية ستضمن نجاحك – المصدر: Shutterstock
– تنظيم الجدول الزمني:
قم بتحديد فترات زمنية تقوم خلالها بالإطلاع على الرسائل، أو لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، في حال كنت ستعتمد مبدأ الانقطاع التدريجي، والأفضل جعل أوقات الاستخدام متباعدة، وطبعاً لا يجب نسيان كتم الإشعارات خارج هذه الأوقات لتجنب إغراء الاطلاع عليها.
– تحديد مناطق خالية من التكنولوجيا:
حدد أماكن تمنع فيها استخدام الأجهزة تمامًا، مثل غرفة الطعام خلال الإفطار، أو المسجد، أو أماكن الصلاة في المنزل، كغرفة النوم أو مناطق الاختلاط الاجتماعي، كغرفة الجلوس خلال زيارة الأقارب، أو مشاهدة التلفزيون، فالمقاربة هذه تمنع التصفح العشوائي خلال الوقت المخصص للعائلة أو للعبادة، ويمكن تحويله إلى نشاط جماعي، بحيث تترك الهواتف خارج غرفة تناول الطعام أو الجلوس.
– التقليل من المغريات الرقمية:
ندرك بأن النصيحة هذه قد تجعلك تشعر بالذعر، ولكن قبل رفضها استمع لما سنقوله، من أجل عدم الاستسلام للاغراء يجب حذف التطبيقات التي تدمنونها مؤقتاً، مثل “إنستجرام” أو “تيك توك