كثر الحديث مؤخراً وبشكلٍ خاص بعد فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن السياسات الحمائية التي ينوي الرئيس المنتخب انتهاجها حيال أغلب الدول بشكلٍ عام والصين بشكلٍ خاص. في هذه المقالة نستعرض مبادئ وأهداف السياسات الحمائية وآثارها على الاقتصاد العالمي ثم نستعرض بعض الأمثلة في السنوات الخمسة الماضية.
مبادئ وأهداف السياسات الحمائية الاقتصادية
السياسات الحمائية هي استراتيجيات تتبعها الدول لحماية اقتصادها وصناعاتها المحلية من المنافسة الخارجية، من خلال فرض قيود على التجارة الدولية مثل الضرائب الجمركية، والقيود الكمية، والدعم المالي للصناعات المحلية. تهدف هذه السياسات إلى تعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على السلع والخدمات المستوردة. رغم أن السياسات الحمائية قد تدعم الاقتصاد المحلي في المدى القصير، إلا أنها قد تؤدي إلى آثار سلبية على المدى الطويل من حيث كفاءة الاقتصاد والتنوع والقدرة التنافسية الدولية. يمكن تلخيص أهداف هذه السياسات بالنقاط التالية:
تعزيز وحماية الصناعات الناشئة أو الضعيفة التي لا تستطيع المنافسة مع المنتجات المستوردة.
زيادة الإيرادات الحكومية عن طريق فرض الرسوم الجمركية على المنتجات المستوردة، مما يولد إيرادات إضافية.
توفير فرص عمل للمواطنين من خلال حماية الصناعات المحلية.
تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الخارج، خاصة في السلع الأساسية، لتحقيق الأمن الاقتصادي.
تقليص العجز التجاري من خلال خفض الواردات وزيادة فرص الصناعات المحلية للتصدير.
آثار السياسات الحمائية الاقتصادية
تساهم في دعم المصانع المحلية وتشجيعها على التوسع وزيادة الإنتاج.
بسبب زيادة تكاليف الواردات، قد يرتفع سعر المنتجات المستوردة، مما يرفع أسعار المنتجات المحلية أيضاً.
انخفاض التنافسية قد يؤدي إلى قلة الابتكار لدى الشركات المحلية، لأنها لا تواجه منافسة قوية من الخارج.
انخفاض تنوع السلع المتاحة، وارتفاع أسعار المنتجات المستوردة قد يقلل من رفاهية المستهلكين.
قد تتسبب السياسات الحمائية في نزاعات تجارية مع الدول الأخرى، وقد ترد الدول المتضررة بفرض رسوم جمركية على منتجات الدولة التي قامت بالحماية.
آثار السياسات الحمائية الاقتصادية على الاقتصاد العالمي
السياسات الحمائية تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل كبير، حيث تضع قيوداً على التجارة الحرة وتزيد من التوترات التجارية بين الدول، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي العالمي وترابط الأسواق. فيما يلي بعض الآثار البارزة للسياسات الحمائية على الاقتصاد العالمي:
أولاً: تقليص حجم التجارة العالمية
تؤدي السياسات الحمائية إلى تراجع التجارة بين الدول نتيجة فرض قيود جمركية وحصص، مما يقلل حجم السلع والخدمات المتبادلة عالمياً وتؤدي السياسات الحمائية إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية التي تعتمد على التعاون بين الدول، وتؤثر على قدرة الشركات على الحصول على المواد الخام أو الأجزاء اللازمة للإنتاج.
ثانياً: انخفاض النمو الاقتصادي العالمي
السياسات الحمائية تحد من النمو من خلال تقليص الاستثمار الأجنبي وضعف الأسواق، ما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتضررة. ويقلل انخفاض التجارة من كفاءة توزيع الموارد بين الدول، ويحد من استفادة كل دولة من ميزاتها التنافسية.
ثالثاً: تقلبات الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة
يؤدي فرض الضرائب والرسوم الجمركية إلى زيادة أسعار المنتجات المستوردة، مما يزيد من تكاليف المعيشة عالمياً، خاصة بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات. إن ارتفاع أسعار السلع الأساسية المستوردة قد يثقل كاهل الطبقات الفقيرة في الدول النامية التي تعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها.
رابعاً: تقليص الاستثمار الأجنبي
تقوض السياسات الحمائية مناخ الاستثمار العالمي، إذ تقلل من جاذبية الدول التي تفرض قيوداً على التجارة. وتقلل من ثقة المستثمرين بسبب عدم اليقين في السياسات التجارية واحتمالية تصاعد النزاعات التجارية، مما يؤثر على تدفق رؤوس الأموال.
خامساً: تصاعد النزاعات التجارية
تميل الدول المتضررة إلى الرد بإجراءات مماثلة، مما يزيد من النزاعات التجارية الدولية ويؤدي إلى حروب تجارية تقلل من فعالية التعاون الدولي. وتؤثر النزاعات التجارية على قدرة المنظمات الاقتصادية الدولية مثل منظمة التجارة العالمية على تحقيق أهدافها في تحرير التجارة العالمية وحل النزاعات بشكل عادل.
سادساً: تباطؤ الابتكار والتطور التكنولوجي
تقلل الحماية التجارية من التنافسية، مما قد يؤدي إلى تقليل حافز الشركات للاستثمار في الابتكار وتحسين منتجاتها. أما الحواجز التجارية فتعرقل تبادل التقنيات والخبرات، مما يحد من انتشار التكنولوجيا وتقدمها عالمياً.
امثلة عن السياسات الاقتصادية الحمائية في العصر الحديث
النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين (2020-2018)
بدأت الولايات المتحدة في عام 2018 بفرض رسوم جمركية على مجموعة واسعة من المنتجات الصينية، بهدف تقليل العجز التجاري وحماية الصناعات الأمريكية من المنافسة الصينية، وردت الصين بفرض رسوم مماثلة على المنتجات الأمريكية. أثرت هذه الحرب التجارية سلباً على النمو الاقتصادي في البلدين، وتسببت في تباطؤ سلاسل التوريد العالمية، وأدت إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين في البلدين. وتوسعت هذه السياسات لتشمل فرض قيود على الشركات التكنولوجية مثل “هواوي”، حيث منعت الولايات المتحدة التعاون معها، ما أدى إلى احتدام المنافسة في قطاع التكنولوجيا.
السياسات الحمائية في بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بدأت بفرض قيود على المنتجات المستوردة من الاتحاد الأوروبي ووضعت ترتيبات جديدة للتعرفة الجمركية، مما أثر على حركة السلع والخدمات بين بريطانيا ودول الاتحاد. وسعت بريطانيا إلى تعزيز بعض القطاعات المحلية مثل الزراعة وصناعة السيارات التي تهدف إلى دعم المنتجين البريطانيين على حساب المنافسين الأجانب.
السياسات الحمائية الزراعية في الاتحاد الأوروبي (السياسة الزراعية المشتركة CAP)
يقدم الاتحاد الأوروبي دعماً مالياً واسعاً لمزارعيه من خلال “السياسة الزراعية المشتركة”، والتي توفر دعماً مالياً للمزارعين الأوروبيين وتشجع الإنتاج المحلي.ويفرض الاتحاد الأوروبي رسوماً عالية على المنتجات الزراعية المستوردة من خارج الاتحاد، مما يجعلها أقل قدرة على المنافسة مع المنتجات المحلية.
تنبيه: هذا المحتوى هو معلومات تعبر عن رأي كاتبها فقط ولا يشكل نصيحة مالية أو إستثمارية، ولا تقدم شركة (ACY) أي تعهد أو ضمان فيما يتعلق بدقة أو إكتمال المعلومات المقدمة من قبل كاتب المحتوى، ولا تتحمل أي مسؤولية عن أي خسارة ناجمة عن أي إستثمار قائم على توصية أو تكهن أو معلومات مقدمة في هذا المحتوى.