في رحلة التّعلم المستمرة في بناء العقول تطويرها، يحدث التفكير الإبداعي تغييراتٍ جذريةٍ ليس فقط في كيفية استقبال المعرفة، بل في تشكيل شخصية المتعلم نفسه، متجاوزاً الحدود الجامدة للمعرفة التقليدية، بتزويد المتعلم بأدواتٍ قيّمةٍ تُمكّنه من رؤية العالم من زوايا جديدةٍ.
في هذه المقالة، نغوص في أعماق التفكير الإبداعي كفلسفةٍ تعليميةٍ تتجاوز النظر إلى المتعلم كمتلقٍ سلبيٍّ للمعلومات. ونوضح مفهوم التفكير الإبداعي في التدريس، مراحله، أهميته، دور المؤسسة التعليمية في تنمية التفكير الإبداعي، و كيف يبني التفكير الإبداعي شخصية المتعلم، لنختم بأهم الاستراتيجيات وطرق تطبيق التفكير الإبداعي في التدريس.
مفهوم التفكير الإبداعي في التدريس
يتجاوز التفكير الإبداعي حدود العمليّة التعليمية التقليدية. مستنيراً بفلسفةٍ تعليميةٍ تؤمن بأنّ كلّ متعلمٍ يمتلك قدرةً فطريةً على الإبداع والابتكار. هذا المفهوم لا يعني فقط تطوير مهارات التفكير النقدي لدى المتعلمين، بل يشمل أيضاً تنمية القدرة على توليد أفكار ٍجديدةٍ وفريدةٍ من نوعها، والقدرة على رؤية الأمور من منظورٍ مختلفٍ والعمل على حل المشكلات بطرقٍ مبتكرةٍ.
التفكير الإبداعي في التدريس
مراحل التفكير الإبداعي في التدريس
نستطيع وصف التفكير الإبداعي في التدريس كرحلةٍ استكشافيّةٍ تمر بمراحل متعددةٍ، وتهدف إلى تفجير الإمكانات الإبداعية لدى المتعلمين. هذه الرحلة تبدأ بالإلهام وتنتهي بالإنجاز، مروراً بعدّة محطاتٍ حيويةً تشكل جوهر عملية التفكير الإبداعي في التدريس. وهذه المراحل نلخصها بالتالي:
الإعداد
في هذه المرحلة، يتم تهيئة المتعلمين للدخول في عالم الإبداع من خلال تحفيز فضولهم ورغبتهم في الاستكشاف. يطرح المعلمون في هذه المرحلة المشكلات أو الأسئلة التي تحتاج إلى تفكير خارج الصندوق، مما يشجعهم على البدء في البحث عن إجابات غير تقليدية.
الحضانة
تتطلب هذه المرحلة من المتعلمين أخذ وقتهم لترك الأفكار تنضج بشكلٍ طبيعيٍّ. يُشجَّع المتعلمون فيها على التأمل والتفكير في الأفكار بعمقٍ، مما يساعدهم على تطوير فهمٍ أعمقَ للموضوعات التي يتم استكشافها.
الإلهام
وهي اللحظة التي يتلقى فيها المتعلمون “الإلهام” أو الفكرة الإبداعية التي تقودهم إلى حلولٍ مبتكرةٍ. هذه الأفكار قد تأتي فجأة وغالباً ما تكون نتيجةً للتفاعل بين الأفكار التي تم تطويرها خلال مرحلة الحضانة.
التقييم
بعد الحصول على الأفكار الإبداعية، يقيّم المتعلمون هذه الأفكار بناءً على مدى جدواها وفعاليتها في حل المشكلة المطروحة. يشمل هذا التقييم النقد الذاتي والنقاش داخل الفصل، والذي يعزز من قدرتهم على التفكير النقدي.
الإعلان
في هذه المرحلة، تُقدّم الأفكار الإبداعية للجمهور المستهدف، سواء كان ذلك داخل الفصل الدراسي أو في مجتمعٍ أوسعَ. مما يشجع المتعلمين على تقديم أفكارهم بثقةٍ ويعزز مهارات العرض والتواصل لديهم.
التنفيذ
الخطوة الأخيرة، هي تطبيق الأفكار الإبداعية في الواقع، حيث يعمل المتعلمون على تحويل أفكارهم إلى مشاريعَ ملموسةٍ أو حلولٍ عمليةٍ. يتعلمون خلالها كيفية التعامل مع التحديات العملية وتطوير القدرة على التكيف مع المواقف المختلفة.
اطلع على مهارات التفكير: الدليل الشامل
مراحل التفكير الإبداعي في التدريس
أهمية التفكير الإبداعي في العملية التعليمية
في عالمٍ يتسم بالتغيير المستمر والتحديات المعقدة، يبرز التفكير الإبداعي كمفتاحٍ للابتكار والتقدم في العملية التعليمية. فهو لم يعد مجرد ميزةٍ إضافيةٍ، بل هو ضرورةٌ أساسيةٌ تعمل على تطوير قدرات المعلمين والمتعلمين. ليس فقط في التعامل مع المشكلات الحالية، بل في توقع وابتكار حلولٍ لتحديات المستقبل.
أهمية التفكير الإبداعي بالنسبة للمتعلم
يمثل التفكير الإبداعي لَبِنةً أساسيةً في بناء شخصية متعلمٍ تستطيع مواجهة التحديات المعقدة والمتغيرة باستمرار ٍفي مجتمعنا الحديث. فهو يساعد المتعلمين في:
تعزيز مرونة الفكر لديهم مما يمكنهم من التكيف مع الظروف المتغيرة وإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات الجديدة.
فتح الباب لاستكشاف إمكانياتهم الخاصة وتطوير مهاراتهم واهتماماتهم الفردية. من خلال التشجيع على الفضول والتجريب.
تنمية مهارات التواصل والعمل الجماعي. إذ يشجع المتعلمين على مشاركة أفكارهم الإبداعية والعمل مع الآخرين لتطوير هذه الأفكار وتحويلها إلى مشاريع ملموسة.
تطوير النقد الذاتي والتقييم الذاتي لأدائهم مما يجعلهم قادرين على تحليل أعمالهم وأفكارهم بشكلٍ نقديٍّ وتحسينها باستمرارٍ.
أثر التفكير الإبداعي على التحصيل الدراسي
العلاقة وثيقةٌ ومتكاملةٌ بين التفكير الإبداعي والتحصيل الدراسي. إن الأساليب التي تشجع على التفكير الإبداعي لا تساهم فقط في تنمية القدرات الذهنية للمتعلمين، بل توسع أيضاً آفاق تجاربهم التعليمية، مما يؤدي إلى تحسين التحصيل الدراسي بشكلٍ ملموسٍ. ومن هذه التأثيرات
تعزيز الفهم العميق و التعلم النشط.
تحسين مهارات التواصل لدى المتعلمين.
زيادة الدافعية والمشاركة في استكشاف أفكارٍ جديدةٍ.
تطوير مهارات حل المشكلات.
تعزيز الثقة بالنفس والاستقلالية.
اطلع أيضاً: التفكير الابداعي: فكّر بطريقة مبتكرة
دور المؤسسة التعليمية في تنمية التفكير الإبداعي
في نيوفيرستي، نؤمن أن المؤسسات التعليمية،حيث تتشابك خيوط المعرفة مع أنسجة الأفكار، ينبغي لهذه الحدائق العقلية أن تصبح ملاذاً لتنمية التفكير الإبداعي، ومختبراً لزراعة بذور الابتكار. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال:
خلق بيئةٍ تعليميةٍ تحتضن التّنوع وتشجع على السؤال، وتعانق الفضول كرفيقٍ دائمٍ في رحلة التعلم.
دمج استراتيجياتٍ تعليميةٍ تفاعليةٍ تعتمد على المشاريع والألعاب والمحاكاة، والتي تعزز من مهارات التفكير النقدي والتحليلي والإبداعي لدى المتعلمين.
توفير التوجيه والدعم للمتعلمين لمساعدتهم على بناء ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم على الابتكار.
تنشئة جيلٍ يمتلك الجرأة للتفكير خارج الصندوق، والعزيمة لتحويل الأفكار الإبداعية إلى واقعٍ ملموسٍ يسهم في التنمية الشاملة للمجتمع.