لحِميَرَ، لآلِ ذي الكُلاعِ، أسماءَ رجالٍ صالحينَ من قومِ نوحٍ، فلما هلَكوا أوحى الشيطانُ إلى قومِهم: أنِ انصِبوا إلى مجالِسِهمُ التي كانوا يَجلِسونَ أنصابًا وسمُّوها بأسمائِهم، ففَعلوا، فلم تُعبَدْ، حتى إذا هلَك أولئك، وتنَسَّخَ العلمُ عُبِدَتْ).[٢] وكانت العرب تعبد أيضاً أصنام قريش كالعزَّى، واللاَّت، ومناة، وهبل حتى جاء نبي الرحمة وأخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله وحده والإيمان به.[٣] ولما انتقل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة لبناء الدولة الإسلامية فيها؛ وجد فيها خليطاً من الديانات كاليهودية والنصرانية، فأعطى لهم حقوقهم، وجعل عيلهم واجبات، وأحسن التعايش معهم،[٤] وفي هذه المقالة سيتم عرض موضوع التعايش بين الأديان، وكيف دعا الإسلام له وحرص عليه، بعد بيان المقصود بالتعايش، وبيان بعض شروطه ومحترزاته. فيديو قد يعجبك: المقصود بالتعايش بين الأديان التعايش لغةً: مصدر تعايش، تعايشاً، فهو مُتعايش، ويأتي التعايش في اللغة بمعنى: العيش على الأُلفة والمَوَدَّةِ، وتعايش النَّاسُ: إذا وُجِدوا في المكان والزَّمان نفسيهما، والتعايش أيضاً: مُجْتَمَعٌ تتعدد طوائفه، ويَعِيشُون فيما بينهم بانسجامٍ وثقةٍ وَوِئَامٍ، عَلَى الرَّغْمِ مِنِ أنهم مختلفون من حيث المذاهب أو الأديان أو الفئات، والتَّعَايُشُ السِّلْمِيُّ يعني: وجود بيئةٍ يسودها التَّفَاهُمِ بَيْنَ فئات المجتمع الواحد بَعِيدًا عَنِ الحروبِ أو العنف.[٥] التعايش اصطلاحاً: (اجتماع مجموعة من الناس في مكانٍ معين تربطهم وسائل العيش من المطعم والمشرب وأساسيات الحياة بغض النظر عن الدين والانتماءات الأخرى، يُعرف كل منهما بحق الآخر دون اندماج وانصهار).[٦] التّعايش بين الأديان في الإسلام لقد وضع القرآن الكريم منظومة من القواعد الواضحة لحفظ المجتمعات البشرية وإبعاد الفتن عنها، كما أعلن الإسلام في مكنون آياته أن الناس جميعاً قد خُلقوا من نفسٍ واحدة، مما يعني أنهم مشتركون في وحدة الأصل الإنساني، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)،[٧] فجميع البشر على وجه هذه الأرض يشتركون في الإنسانية، وبالتالي كفل لهم الإسلام الحق بالحياة والعيش بكرامةٍ؛ دون تمييزٍ بينهم، وذلك من مبدأ أن الإنسان مُكرَّمٌ لذاته، دون الالتفات إلى ديانته أو عرقه أو لونه أو منشئه، فجميع أفراد المجتمع أسرة واحدة، ولهم حقوق معينة، وعليهم واجبات،[٨] قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)،[٩] أما الاختلاف الظاهر في أشكال الناس وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم فليس إلا دليلاً على عظمة الله الخالق وقدرته وإبداعه في خلقه، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ).[١٠] فإذا وُجِد الاختلاف في المجتمعات البشرية فينبغي أن يكون ذلك من الظواهر الطبيعيّة، ولا ينبغي لفئة التغول على فئة أخرى لأن ذلك يُوجِد العداوة والبغضاء في المجتمع ويثير النعرات الطائفية بين أفرادها، بل ينبغي أن يكون ذلك الاختلاف سبيلاً للتعارف والتواد والتراحم بين أطياف المجتمع الواحد، والسعي لإيجاد المصالح المشتركة بينهم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،[١١] فقد أشار الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة إلى أنه لا مجال للتفاضل بين الناس إلا على أساس التقوى والقرب من الله -عز وجل- ومدى تطبيق شرائعه والالتزام بما جاء به الرسل عن الله، قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).[١١][١٢] أما من لم ينتسب إلى الإسلام من الأديان الأخرى التي جاءت من عند الله قبل مجيء الإسلام ولم يؤمن بالله، فإن القرآن الكريم لم ينظر إليهم بانتقاص، أو على أنهم ليسوا بشراً، وأنه لا يحق لهم ما يحق للمسلمين؛ بل نظر إليهم نظرة تسامحٍ ولين، ولا ينبغي على المسلم تجاه من خالف الاعتقاد السليم من غير المسلمين إلا دعوتهم إلى الله على سبيل النصح، فإن أطاعوا فبها ونعمت، وإن أبوا إلا البقاء على معتقدهم؛ فلا إكراه في الدين ما داموا لم يعادوا دين الله ويحاربوه.[١٢] قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).[١٣] كما راعى الإسلام عدم المساس بمُعاهِدٍ أو ذمّي، إن كان بينه وبين المسلمين عقد ذمة، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: (من قتل مُعاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنَّةِ، وإنَّ ريحَها توجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا)،[١٤] فيكون أمانهم مكفولاً بصريح أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- والاعتداء عليهم جريمةٌ لها عقابها الشرعي.[١٥] مظاهر التعايش بين الأديان من مظاهر التعايش بين الأديان ما يأتي:[١٦] الاعتراف بوجود الآخر بغض الطرف عن ديانته وعدم تهميشه. الابتعاد عن مبدأ الاكراه في الدين، الذي يعني إجبار الآخر على اعتناق ديانة معيّنة. التعامل مع أصحاب الديانات بالبر والحسنى، فلا يعني اختلاف ديانتهم معاملتهم بأخلاق غير طيبة. اتّباع أسلوب الحوار بالتي هي أحسن مع هؤلاء الأفراد، فالحوار سبيل للانفتاح الصحّي والسليم. ضوابط التعايش مع الأديان في الإسلام وضع الإسلام لكل شيء ضوابط تضمن سيره بطريقة سليمة ومواتية للفطرة، فكان ما يأتي من ضوابط التعايش بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى:[١٦] الاعتزاز بالانتماء للإسلام، والالتزام به واتخاذه كمنهج حياة. محافظة المسلم على شخصيته الإسلامية وابتعاده عن التقليد الأعمى، والحفاظ على ما يميّزه من أخلاق وسمات خاصة به. الحرص على ألّا يمس المسلم شيء من الذل أو الظلم أو التهميش أثناء تعاملاته مع من هم من الأديان الأخرى بداعي التعايش.

 

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG