
يكسب صناع المحتوى ورواد العمل الإلكتروني المال مقابل عرض إبداعاتهم وبيعها عبر الإنترنت، وتشمل هذه الأعمال الإبداعية مقاطع فيديو اليوتيوب والبودكاست، وإنشاء وبيع الدورات عبر الإنترنت، والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمدونات الإلكترونية، ويطلق على هذا الاقتصاد بأنه صناعة متنامية بمليارات الدولارات، ويعتمد عليه كثير من مشاهير العالم، وفي الغالب يعتمد نجاحه على الشهرة والانتشار في العالم الافتراضي، لذلك اتجهت الشركات العالمية والعلامات التجارية إلى إتقانه والاعتماد عليه اعتمادًا أساسيًا في كثير من أنشطتها.
من هنا يأتى التأكيد على أهمية إنتاج المعرفة وإدارتها لبناء اقتصاد قائم على المعرفة، مما يمكن الدول من التحول من دول “متلقية” إلى دول “منتجة”، وذلك عن طريق الاهتمام بالاستثمار في التكنولوجيات المتطورة والتحول الرقمي ومن ثم تبني مفاهيم الاقتصاد الرقمي، كما يرتبط مفهوم اقتصاد البيانات الجديد باقتصاد المستقبل، وهو اقتصاد يتميز بالقدرة والإمكانيات على جمع البيانات لتبادلها ومعالجتها وتحليلها باستخدام مجموعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
كانت عضلات الإنسان هي المحرك الرئيس للاقتصاد في عصور ما قبل التاريخ، قبل أن يكتشف الإنسان الطاقة الميكانيكية، تليها طاقة البخار ثم النفط، ويبدو أن محرك الاقتصاد في المرحلة المقبلة لن يكون أيًا من تلك القوى بل سيكون المعلومات والبيانات، ففي ربع القرن الماضي اجتاحت الهواتف الذكية وتكنولوجيا “واي فاي” والروبوتات، ومجموعة من الإنجازات التكنولوجية الأخرى جميع أنحاء العالم، إذ أحدثت تحولات في المجتمعات كافة، كما تُختَبر حاليًا السيارة من دون سائق على الطرق، وتستطيع الروبوتات تحليل البيانات السريرية في الوقت الحقيقي وترشد الجراحين في أثناء العمليات، كما أن القدرة والإمكانيات على جمع البيانات لتبادلها ومعالجتها وتحليلها باستخدام مجموعة من خوارزميات الذكاء الاصطناعي يتيح للشركات تعزيز مكانتها في السوق، ومواصلة النمو والتوسع، لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك على مستوى أعمالها التقليدية فقط، بل بإمكان البيانات أن تولد تقنيات ونماذج أعمال جديدة تمامًا لم يتصورها أحد، مثلما أدى توفر بيانات نظام المعلومات العالمي “الأقمار الاصطناعية” إلى الاعتماد على نظام تحديد المواقع العالمي في قطاع رسم الخرائط اليوم، كما أن البيانات تعد وقود الاقتصاد الجديد، ومن ثم سوف تكون خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي تتدرب بواسطة جمع البيانات الضخمة وتتبع “الآثار الرقمية” للبيانات، ذات طابع تحولي عالمي، كل هذا يؤكد أن هناك مولدًا ونشأةً لنظام عالمي جديد بناء على إجمالي ناتج البيانات، وسيكون هذا النظام العالمي الجديد مقياسًا اقتصاديًا لثروة الدول وقوتها في المستقبل القريب، أما على مستوى الاقتصاد فنرى أن عمليات جمع البيانات وتبادلها ومعالجتها لم تعد محض أنشطة جانبية ترتبط بإنتاج السلع والخدمات، بل أدرك الجميع التأثير المضاعف للبيانات على الاقتصاد حتى أنها أصبحت إحدى محاور نمو عديد من الاقتصادات الناشئة.
من ناحية أخرى أدى تسارع التقنيات الرقمية في العالم أخيرًا إلى حدوث تغيير جذري في مفاهيم الثورات الصناعية، وقد سميت بـالثورة الرقمية، التي تضمنت سلسلة من التغيرات في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، حتى ظهر أخيرًا مفهوم التحول الرقمي الذي يعتبر رحلة نوعية في مجال الاتصالات والخدمات الرقمية والمنصات، مما انعكس على عمق العلاقات وقوتها بين الدول والشركات والمجتمعات، ويتعامل هذا النوع من الثورات مع الآلة باعتبارها عقل مستقل يقبل التوجيه والتدخل البشري، إذ يجمع بين العالم المادي والافتراضي والبشري، مثل الإلكترونيات الدقيقة وهندسة البرمجيات والاتصالات وتقنيات المعلومات، بالإضافة إلى نوع جديد من التقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والواقع الافتراضي وغيرها، كل هذا يطلق عليه الاقتصاد الرقمي وهو مفهوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل.
مفاهيم ومرادفات لاقتصاد المستقبل
اقتصاد المستقبل
نستخلص مما سبق أهمية المعرفة والابتكار والرقمنة في الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل، إذ إنها تعد الركائز الأساسية التي يرتكز عليها مستقبل الاقتصاد في العالم، كما يرتبط بالاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل عديد من المرادفات والمفاهيم التي تعد في مجملها ترسيخًا لتوجه العالم نحو الاقتصاد الجديد أو اقتصاد المستقبل، من هذه المرادفات: الاقتصاد الرقمي، اقتصاد المعرفة، اقتصاد الابتكار، اقتصاد المبدعين أو صناعة المحتوى، اقتصاد الفضاء، الذكاء الاصطناعي، إلخ، كل هذه المرادفات وغيرها من مرادفات ومفاهيم أخرى ترتبط بالمعرفة التكنولوجية وتقنيات المعلومات والبيانات والرقمنة والذكاء الاصطناعي والعالم الافتراضي وغيرها– أسس ووسائل وطرق مؤدية إلى الاقتصاد الجديد.. اقتصاد المستقبل.