للأحداث بقيةٌ لا تعلم عنها بعد؟ ماذا لو كانت المشاهد خلف الكواليس تختلف عن الواقع الذي تراه عيناك على المسرح قبل أن تُسدَل الستائر؟ هذا بالفعل ما تمكنّا من رؤيته عبر الفيلم الوثائقي الذي قد قامت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بنشره في كواليس الفيلم الوثائقي لفاتورة.

في هذا الفيلم تم تناول موضوعٍ حساسٍ جدًا قلما يتم الالتفات إليه بالرغم من تبعاته الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الاقتصاد المحلي للدول. وفيه تم الالتفات إلى مشكلة اقتصاد الظل ومشاركة تفاصيل مثيرة للاهتمام حول تعريفه وكيفية التصدي له عبر تبني حلولٍ منطقية وبالأخص حلول الفوترة الإلكترونية، فضلاً عن الدور الذي قد حققته هذه الأنظمة في التصدي لظاهرة اقتصاد الظل على نحوٍ ملاحظ.

والآن قد حان الوقت لتسليط الأضواء في موقعها الصحيح لنتمكن جميعًا من معرفة خفايا ما يحدث في الظل دون أن نعلم.
ما هو “اقتصاد الظل”؟

إن كان مصطلح اقتصاد الظل هجينًا فإنك لربما قد سمعت بمصطلحاتٍ أخرى عادةً ما يتم تداولها على نحوٍ تبادليٍ مثل “الاقتصاد غير الرسمي” و”الاقتصاد الموازي” و”الاقتصاد الخفي” والاقتصاد الأسود”. وكما أنّ كل الطرق تؤدي إلى روما، فإنّ كل المترادفات المُستخدمة تحمل في طياتها المعنى ذاته. ألا وهو، أنشطةٌ اقتصاديةٌ تحدث في الظل بعيدًا عن أعين الحكومة. إذًا، ما الذي يعنيه هذا المصطلح؟

اقتصاد الظل هو مصطلحٌ يتم استخدامه لوصف التعاملات المالية والأنشطة الاقتصادية التي لا تندرج تحت مظلة الأنشطة الرسمية المُسجلة لدى الحكومة وهو ما يجعلها غير خاضعة للمراقبة والقوانين الضريبية المترتبة على الدخل الذي يتم تحصيله من قِبل الأفراد أو الجهات التي تمارسه داخل الدولة. وهذا بدوره يجعل المشاركين فيه غير ممتثلين للقوانين الضريبية وقوانين العمل الرسمية، نظرًا لكون هذه الأنشطة الاقتصادية غير خاضعة للرقابة القانونية والعمليات الحسابية الرسمية لمجموع الضريبة القومية ونسبتها.

خلافًا لاعتقاد البعض، فإنّ هذه المسألة ليست أمرًا يمكن تجاهله وإليك لماذا.
اقتصاد الظل: ما هي التبعات التي تترتب عليه؟

يرافق حديثنا عن اقتصاد الظل قائمةٌ مطّولة من التبعات الخطيرة التي قد تتسبب في دمارٍ كبيرٍ بالفعل إذا ما استمرت بالنمو دون اتخاذ إجراءاتٍ تصحيحية لقلب موازين المعادلة وتغيير النتائج المتوقعة. أبرز المشاكل المتوقعة تشمل الآتي:
1- تقديرات مالية غير دقيقة

أبرز التحديات التي تواجهها الحكومات هي التقديرات غير الدقيقة للحسابات المالية في الدولة. ويُعزى هذا إلى عوامل عديدة من شأنها زيادة الوضع سوءًا تتمثل في الإيرادات غير المرصودة بسبب عدم خضوعها لقوانين الدخل الضريبية. حيث أن الأفراد المشاركين في اقتصاد الظل لا يشاركون مصادر الدخل الحقيقي بأكملها وهو أمرٌ متوقع نظرًا لحدوث هذه الأنشطة الاقتصادية في الخفاء.

ونتيجة لذلك تصبح الدولة في صدد مشكلةٍ أخرى ألا وهي التهرب الضريبي. عندما لا تكون الأنشطة الاقتصادية خاضعة للمراقبة، والتسجيل، والمتابعة من قبل هيئات المتابعة الضريبية، فإن التهرب الضريبي هو ما سيحدث بطبيعة الحال دون أن يكون هنالك مفرٌ منه.

ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن كفاءة عملية التدقيق المالية للدخل القومي ستتأثر على نحوٍ كبير نظرًا لكون الأرقام المرصودة تخلو من الدقة، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى حدوث تخطيطٍ خاطئ للوضع قد تم بناؤه استنادًا على معطياتٍ مغلوطة. والمحّصلة هي تأثر المؤشرات والنتائج التي يعتمد عليها القادة لاتخاذ القرارات الحاسمة.
2- انعدام العدالة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي

تسهم الضرائب التي يتم جمعها من الدخل المسجل على نحوٍ كبيرٍ في الميزانية التي تضعها الحكومات من أجل توفير الخدمات العامة للأفراد في المجتمعات. وبناءًا على ذلك فإن الدخل غير الخاضع للوائح الضريبية يتسبب بطريقةٍ غير مباشرة في الحد من هذه المساهمات التي تصب في مصلحة المواطنين إذا ما تم استثمارها في القطاعات الحيوية مثل القطاع الصحي، والتعليمي، والبنية التحتية، وغيرها الكثير.

وعلى الصعيد الاجتماعي تمتد أجنحة اقتصاد الظل حتى تطال قضايا أخرى كبيرة مثل انعدام العدالة في الأجور، وذلك لحقيقة أن الأشخاص الذين يعملون دون دخلٍ وعملٍ مسجل لا يتمتعون بامتيازاتٍ مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي لعدم وجود سجلٍ يحفظ حقهم الشرعي في ذلك.

ومن جهةٍ أخرى، يتمتع هؤلاء الأفراد بالخدمات العامة التي تقدمها الدولة دون أن يتم اقتطاع الضريبة من الدخل الذي يحققونه. وهم بذلك يتمتعون بطريقةٍ غير مباشرة بالخدمات العامة التي ساهم في حدوثها الاقتطاع الضريبي الذي يتم تحصيله من دخل الأفراد المسجلين ما يجعلهم يتلقون دون أن يقدموا مقابل ذلك ما يترتب على دخلهم من الضريبة المطلوبة.
3-ارتفاع معدلات الجريمة

يعمد البعض إلى اقتصاد الظل لأسباب بسيطة تتمثل برغبتهم في رفع مستوى الدخل الخاص بهم، وعليه تجدهم يمارسون عدة مهنٍ في وقتٍ واحدٍ حتى يتمكنوا من سد احتياجاتهم والأعباء المالية المترتبة عليهم. ولكن، ليس هذا هو الحال دائمًا. فقد نجح العديد من المجرمين بإيجاد طرقٍ لممارسة أنشطة اقتصادية إجرامية وغير قانونية عبر الثغرات الموجودة في اقتصاد الظل. حيث يساعد وجود هذه الثغرات على تسهيل ممارساتهم الإجرامية دون أن يتم تقفي أثرهم أو متابعة تحركاتهم وهذا ما يجعل المشكلة خطرًا محدقًا لا يجب التجاوز عنه للحفاظ على أمن المجتمعات.

ويساعد عدم وجود إجراءاتٍ احترازية للحد من تفشي هذه الظاهرة والتصدي لها على التمهيد لطريقٍ يمّكن المجرمين من ممارسة أنشطتهم الإجرامية بكل سهولة وهذا يشمل غسيل الأموال، المتاجرة بالمخدرات والعقاقير الممنوعة، والبضائع المسروقة، والتزييف وغيرها مما هو أخطر بكثير مثل جرائم الإتجار بالبشر، والقمار، والتهريب، وغيرها العدد مما لا يمكننا حصره بالفعل.
4- الافتقار إلى الاستقرار الاقتصادي

يضع اقتصاد الظل اقتصاد العديد من الدول في موضعٍ حرجٍ يجعلهم أكثر عُرضةُ للمخاطر مقارنةً بغيرهم ممن تنخفض لديهم معدلات تفشي اقتصاد الظل. حيث يؤدي الافتقار إلى الشفافية والمصداقية في البيانات التي يتم الحصول عليها إلى اتخاذ قراراتٍ مدروسة ولكن على نحوٍ غير صحيح أو دقيق. علاوةً على ذلك، تساهم هذه المشكلات في خلق بيئةٍ خصبةٍ للحركات المالية التي تتم تحت الطاولة وخارج السجلات المحاسبية.

يعمل تلاشي المصادر الاقتصادية التي من شأنها تحسين الاقتصاد في البلاد واتخاذ قراراتٍ استثمارية أنجع على تدهور الوضع الاقتصادي العام وزعزعته لعدم توفر موارد مالية كافية تلبي حاجة المواطنين وخزينة الدولة. عندما تغدو الحكومات غير قادرة على استيفاء الالتزامات المالية المنوطة بها، فإن النتيجة هي ارتفاع معدلات التضخم وتكاليف الاقتراض ما يعني المزيد والمزيد من الأرجحة المالية.
هل تعلم كيف يبدو اقتصاد الظل؟

قد يخالف اقتصاد الظل الصورة التي تجول في ذهنك الآن وهذا هو الجزء المخادع فيه، أن العديد منا قد يمارسه دون أن يكون على درايةٍ بأن ما يفعله يقع تحت مظلة اقتصاد الظل. هل يصادف أنك تعرف جارةً تصنع أصنافًا لذيذة من الطعام وتقوم ببيعها في الحي؟ أو ربما صديقٌ يعمل بعد انتهاء ساعات دوامه في التدريس الخصوصي أو غيره من المهن؟

لربما تتساءل الآن كيف لهذا أن يكون اقتصاد الظل فهذه المهن جميعها قانونية أليس كذلك؟ نعم، هي ليست أنشطة إجرامية بالفعل وليست كمن يبيع المخدرات على سبيل المثال.

المدونات
ما هو الاتجاه الجديد

المدونات ذات الصلة

الاشتراك في النشرة الإخبارية

احصل على آخر الأخبار والتحديثات

النشرة الإخبارية BG